تتابع «ديبا كومار» أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة روتجرز فى كتاب «فوبيا الإسلام والسياسة الإمبريالية» والذى نقلته إلى العربية أمانى فهمى، والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة، بقولها: «ومع أن أولئك الذين يمثلون أقصى اليمين هم الذين من شأنهم أن يزعموا الآن أن الإسلام ديانة زائفة، كثيرًا ما يكون من المسلم به كشىء بديهى أن الإسلام متجانس الخواص. وهذا يرجع إلى حد كبير إلى ترويج المستشرقين، مثلهم مثل نظرائهم فى القرون الوسطى، لأكذوبة أن الإسلام دين أحادى الخواص يمكنه فهمه تمامًا من خلال نصوصه الكلاسيكية فالعمل من منطلق افتراض من هذا القبيل هو وحده الذى يمكن أى أحد من أن يطلق مزاعم عن كيان جامد يسمى «الحضارة الإسلامية» ذى مجموعة أساسية من القيم التى لا تتغير».
الأكذوبة الثانية: الإسلام ديانة متحيزة جنسيًا بشكل فريد، بينما كانت أوروبا المتسمة بالاضطهاد الجنسى مبهورة ومأخوذة بالعادات الإسلامية المتعلقة بالزواج حتى أثناء القرون الوسطى، لم تجر أى مناقشة منهجية بشأن المرأة والإسلام إلا فى القرن التاسع عشر. وقد ذكر أحد الباحثين، تعليقًا على استحواذ أوروبا فى القرن التاسع عشر بشأن المرأة المسلمة، أن «ما من موضوع مرتبط بالإسلام اعتبره الأوروبيون أهم من وضع المرأة المسلمة»، وكانت الحكاية السائدة التى انبثقت من ذلك الاستحواذ هى حكاية تصور المرأة المسلمة على أنها امرأة يُخضعها الرجل لسيطرته إخضاعًا شديدًا، ولا تزيد كثيرًا عن كونها عبده. وكان يقال إن المسلمين المستبدين كانوا، تمامًا مثلما مارسوا طغيانهم على رعاياهم، يمارسون طغيانهم على بناتهم أيضًا. وكما أظهر باحثون شتى، لم يكن الرجال الأوروبيون الذين كتبوا عن محنة المرأة المسلمة يحتكون كثيرًا فى حقيقة الأمر بتلك المرأة للتحقق من افتراضاتهم. وتكشف قصصا كثيرة سردتها نساء غربيات عن النساء المسلمات اللائى التقين بهن عن وجود واقع أكثر تعقيدًا.
الأكذوبة الثالثة: «العقل الإسلامى» غير قادر على المنطق والعقلانية.
فى خطاب ألقى عام ٢٠٠٦، بعنوان «الإيمان والمنطق والكونية»، ساوى البابا بينديكيت السادس عشر بين الكاثوليكية والمنطق، وبين الإسلام والعنف وانعدام المنطق، فقد قال، معيدًا صياغة عبارة لإمبراطور بيزنطى يرجع إلى القرن الرابع عشر، إنه عندما تنتشر ديانة (مثل الإسلام) عن طريق العنف فإنها تكون مضادة للمنطق، ومضادة أيضًا للطبيعة، لأن «عدم التصرف وفقًا للمنطق يتناقض مع طبيعة الرب»، وقد انضم البابا بقوله هذا، إلى رتل طويل من من المستشرقين الذين قالوا إن المنطق والعقلانية والعلم هى أمور غريبة بالنسبة لعالم الإسلام.
فقد ذكر المستشرق الفرنسى إرنست رينان، الذى ناصر العلم والمنطق، فى مقالته التى نشرها عام ١٨٨٣ بعنوان «الإسلام والعلم» أن «الإسلام فى عصوره الأولى والعرب الذين اعتنقوه كانوا معادين للروح العلمية والفلسفية».
الأكذوبة الرابعة: الإسلام ديانة تتسم بالعنف بطبيعتها، بعد انهيار البرجين التوأم بدقائق بالكاد، بدأ ساسة الولايات المتحدة ودهاقنتها يربطون بين هذا العمل من أعمال العنف والإسلام بطرائق ليست مختلفة عن تأويلات المستشرقين السابقين. فبدءًا من الخُطب العامة للشخصيات السياسية التى تمثل التيار السائد ومرورًا بتبجحات من يمثلون الجناح اليمينى من قبيل آن كولتر، وانتهاءً بتصريحات البابا وآخرين، ربطت مجموعة وافرة من التعليقات، التى يصعب تعدادها هنا لكثرتها الشديدة، أفعال حفنة من المتطرفين بالدين الإسلامى. ولهذه الأكذوبة تاريخ طويل تعود أصولها إلى القرن الحادى عشر وبداية الحروب الصليبية، ويمكن العثور على صدى معاصر لها فى الرسم الكاريكاتيرى للنبى مُحمد الذى نُشر فى الصحيفة الدنماركية فى عام ٢٠٠٥، فقد صور ذلك الرسم الكاريكاتيرى النبى وهو يحمل قنبلة فوق عمامته، مما يوحى ضمنًا بأن الإسلام نشأ مع كون العنف يمثل أساسه.
الأكذوبة الخامسة: المسلمون غير قادرين على اتباع الديمقراطية وعلى الحكم الذاتى.
إن فكرة «الاستبداد الشرقى» نشأت فى القرن الثامن عشر على يد كتاب من أمثال مونتيسكيو، الذى حاجج بأن المناخ الحار فى الشرق يجعل الشرقيين فاترى الهمة وخاضعين، ومن ثم غير قادرين على مقاومة الطغيان، وقد أضفى المستشرقون مصداقية أكاديمية على هذه النظرية بقولهم، «إن الاستبداد هو إحدى القيم الأساسية للحضارة الإسلامية». ثم أتت نظرية التحديث لتجعل هذه النظرية علمية بدرجة أكبر بقولها، «إن المجتمعات التقليدية تتسم بنُظم تراتبية للسلطة». وحاجج هؤلاء المنظرون بأنه بالنظر إلى أن التغيير لن يتأتى أبدًا من الداخل، فإن الغرب يقع عليه عبء «حضرنة» الشرق وتحديثه وجعله ديمقراطيا.
وللحديث بقية..