يحق للشعب العراقى أن يتباهى بعد حصول العراقية الأزيدية نادية مراد على جائزة نوبل، بعدما أصبحت لحظات الفرح نادرة فى حياته.. فى المقابل، هل بقى شىء من حمرة الخجل فى وجه مسئولى الحكومة، نواب ونائبات البرلمان حين يحاولون إقحام أنفسهم على هذا الإنجاز بينما هم يمضغون عجزهم أمام الشعب بالتصريحات الإنشائية ردا على حملة تصفية ممنهجة تستهدف النساء، يفصل بين الجرائم فترة قصيرة لا تتعدى الأسابيع، حيث طالت عمليات اغتيال فى ظروف غامضة أربع سيدات يجمع بينهن العمل فى المجال العام على اختلاف طبيعته.
صمت الأجهزة الأمنية وعجزها عن تقديم أى توضيح أو دليل على وجود تحقيق فى هذه الجرائم فتح الأبواب أمام التكهن حول الدافع وراء هذه الحوادث الدموية.. إذ لم يدهشنى سماع رواية صادمة من إحدى الناشطات السياسيات حول اغتيال زميلتها سعاد العلى، رئيسة منظمة الود لحقوق الإنسان بعد أيام من مشاركتها بفاعلية فى المظاهرات التى اندلعت بمدينة البصرة احتجاجا على سوء الخدمات العامة وتفشى الفساد فى مؤسسات الدولة.. بعدما علمت أن أغلب المتظاهرات خرجن وهن يرتدين النقاب ليس بوازع ديني، لكن خوفا من القتل بعد كشف شخصياتهن، وهو- وفق إحدى الروايات- ما ذُكِر عن قيام زوج العلى بقتلها بسبب ظهورها أمام كاميرات الفضائيات! لتتم معايرته بزوجته الناشطة السياسية!.. ثم تلتحق بها الموديل تارة فارس وصيفة ملكة جمال العراق بعد قتل خبيرتى التجميل رشا الحسن ورفيف الياسرى أيضا فى ظروف ما زالت غامضة!.
استهداف المرأة كجزء من المجتمع تبدو بديهية فى ظل مأساة عامة ابتلى بها العراق وتجرع مرارتها كل من على أرضه، خصوصا أن مسلسل القتل لم يكن وليد اللحظة.. منذ الساعات الأولى لغزو العراق طالت أيادى الغدر الطيارين، الضباط، أساتذة الجامعة، علماء، صحفيين وأدباء.. أما أن تصل درجة التبلد عند الأجهزة الحكومية ويصاب صوتها بالاحتباس أمام هذه الاغتيالات الممنهجة على مرأى ومسمع الشارع ما أثار حالة رعب وصدمة. رسالة خطيرة من أطراف وميليشيات خططت وتوغلت لتحويل العراق إلى بلد يكره الجمال ويغتال أى مساحة للتعبير عن الرأى والدفاع عن حق الحياة والحرية. رسالة تحمل طلقة- أعادت إلى الذاكرة ما حدث فى سنوات التهجير الطائفى عند استلام كل عائلة لا تنتمى إلى طائفة ساكنى الحى رسائل تهديد مباشر تعنى، إما الرحيل أو القتل- لكن هذه المرة توجه الطلقة نحو كل من تجرؤ على إضاءة بارقة أمل فى ظل سيادة رجعية سياسية وثقافية وحضارية غريبة تماما عن جذور العراق الذى يشهد تاريخه على ريادة المرأة فى مختلف مجالات العمل العام، على سبيل المثال قدم للعالم العربى فى السياسة أول وزيرة «نزيهة الدليمي» عام 1959، وفى الإعلام «صبيحة المدرس» صاحبة أول إطلالة إعلامية عربية عبر تليفزيون العراق عام 1956.
الاستهداف الممنهج للمرأة مؤخرا تجاوز حالة أمنية عامة مازالت أجواؤها ملبدة بالغيوم.. هو جزء من مخطط شيطانى شامل يعمل على تغريب وسلخ طبيعة البنية العراقية سياسيا، اجتماعيا وثقافيا عن جذورها الأصلية لتصبح «مسخًا» من ملامح الرجعية والردة الحضارية التى اجتاحت إيران بعد الثورة الإسلامية.. فالمرأة ليست استثناء فى إطار اعتبار إيران أن العراق كله حق مكتسب لها، أيضا بعد أكذوبة «التحرير» الأمريكية- بديهيا ضمنها «تحرير» المرأة- وفق ما يحدث، أصبح المرادف لهذا الشعار «تحرير» المراة من الحياة!.
الأسابيع الماضية شهد العراق انتخاب رئاسة وحكومة جديدة، دون ظهور بوادر حتى الآن تشير إلى حدوث التغيير المطلوب شعبيًا.. خصوصا مع الصمت المريب على حوادث اغتيال النساء دون مساءلة قانونية أو عقاب فى استهداف سياسى ممنهج لتكريس صورة رجعية دخيلة على بنية المجتمع العراقى خاضعة لفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان!. الأدهى ظهور أصوات نشاز على بعض القنوات الفضائية العراقية تبرر ضمنا هذه الاغتيالات.. تروج لجرائم القتل وفق منظورها الشخصى أو الدينى فى دعوة صريحة للقتلة بالتفاخر بجرائمهم.
تكررت مطالبة الأصوات العاقلة إلى حتمية اكتمال الانتصار العسكرى الذى حققه الجيش على تنظيم داعش بانتصار سياسى مواكب.. إذ لا يُعقل إعلان تحرير مدن العراق من تنظيم تدنى إلى طقوس حيوانية للمتاجرة بأجساد النساء فى أسواقه، أو مشاركة مؤسسات حكومية فى مظاهر الفخر بحصول نادية مراد على جائزة نوبل فى ظل تجاهل رسمى لجرائم استهداف النساء.. خصوصا أن استباحة النساء سواء من داعش أو على يد أطراف «مجهولة» فى جرائم صدمت الشارع العراقى مؤخرا هو وجهان لعملة- أو جريمة- واحدة.. الأولى اغتالت المرأة بوحشية عن طريق انتهاك جسدها على مائدة لئام داعش، والأخرى أخرست بالقتل أصوات لم تطلب سوى مساحة من الحرية.
أخيرا.. المؤكد أن تراكم حجم الغضب الشعبى لن يحتمل صرخة أخرى كالتى أطلقتها ملكة جمال العراق الإعلامية شيماء قاسم بعد تلقيها رسالة تهديد بالقتل «نحن نُذبَح مثل الدجاج».