متقلدًا أنواطًا ونياشين زينت حلته العسكرية.. أبهى رداء لصانع نصر الحرب وروعة السلام.. ارتقى شهيدًا في الذكرى الثامنة لنصر أكتوبر.
لم يكن تحالف الجماعة الإسلامية والجهاد لقتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات هدفه اغتيال رأس الدولة فقط.. كان الهدف قتل الرئيس واغتيال الدولة واختطافها إلى براثنهم.
الاستيلاء على الحكم باغتيال رأس الدولة والسيطرة على المؤسسات لفرض السيطرة عليها.. مخطط استمدته الجماعة الإسلامية والجهاد من "صالح سرية" ومخططه المعروف بتنظيم الفنية العسكرية الذي سبق مخطط الجماعة الإسلامية والجهاد بـ7 سنوات.. كان هدفهما إعلان مصر إمارة إسلامية.
ارتقى "السادات" شهيدًا في الذكرى الثامنة لنصر السادس من أكتوبر.. وفشل مخطط السيطرة على مفاصل الدولة.. فحاولوا تنفيذ المخطط الآخر.. احتلال محافظة أسيوط.. أكبر معقل للجماعة الإسلامية في الصعيد.. يتبعه احتلال باقي المحافظات.. للوصول إلى احتلال البلاد بشكل كامل وإعلانها إمارة إسلامية.
نصر أكتوبر 1981.. أو معركة أسيوط.. معركة هامة وامتداد لمعركة أكتوبر 1973.. معركة سيناء ضد محتل خارجي غاصب لجزء من البلاد.. ومعركة أسيوط.. ضد محتل غاصب من بني جلدتنا حاول أن يغزو كل البلاد.. كانت تلك عقيدة من شاركوا في عمليات تحرير أسيوط من ذلك المحتل الغاصب.. وكان ذلك كذلك.. فلو سقطت أسيوط.. لسقطت باقي محافظات مصر تباعًا لتصبح إمارة لهم.
في الثامن من أكتوبر 1981 بدأت المعركة غيلة وغدرا.. كانت أوامر قوات الأمن المركزي.. تأمين صلاة عيد الأضحى دون حمل أسلحة حية.. هجمت عناصر الجماعة الإسلامية على جنود الأمن المركزي العزل وقتلت وحرقت واستولت على بعض المباني الحيوية في المحافظة.
كانت أسيوط مقر الأمن المركزي وقتها في جنوب الصعيد.. وحتى العمليات ضد تجار المخدرات ورجال الليل في جنوب الصعيد وجباله تنطلق من أسيوط.. وكان الأمن المركزي في أسيوط بحق يوازي سلاح الصاعقة المصرية في القوات المسلحة.. كان وما زال مصنعًا للرجال.
قسمت عناصر الجماعة الإسلامية أنفسها إلى مجموعات مهاجمة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة.. لا تقل المجموعة عن ثمانية أفراد مهاجمين.. هاجموا كل القوات الأمنية الموجودة في الشارع وكل مباني الدولة في وقت واحد تقريبا.
بداية الهجوم كانت عند مباحث التموين.. وعلى بعد أقل من كيلومترات معدودة قوة من الأمن المركزي مكونة من ثلاث سيارات للجنود تقل كل سيارة 40 مجندًا.. وكانت على اليمين.. وعلى اليسار سيارة القيادة بها ضباط ثلاثة.. مع سماع دوي الطلقات بدقيقتين.. هجمت عناصر من الجماعة الإرهابية على ذلك الرتل الشرطي.. أول استهدافهم كان لسيارة الضباط الثلاثة.
اثنان من الضباط جالسان بالأمام.. والثالث جالس بالخلف.. أُطلقت النيران عليهم.. فجعل من رجله درعًا لزميليه في الأمام فأصابت الطلقات رجليه.. وقفز الضابطان من السيارة.. وكانت المفاجأة.
خالف ضابط تعليمات الوزارة بالاكتفاء بالعصي والخيزران وأحضر معه سلاحه الشخصي وبندقية آلية.. استطاع وحده فقط أن يرد عصابة المهاجمين.. وأن يحمي تشكيله.. ولم تحدث إصابات في تشكيله إلا لأربعة فقط كان هو أحدهم.
بعد نهاية الأحداث في التحقيق معه.. قيل له لا ندري أنعاقبك على مخالفتك للتعليمات.. أم نثيبك ونشكرك عليها.. استمر ذلك الضابط حديث التخرج وقتها عظيم الشأن في مهامه القتالية لأكثر من 17 يوما كاملا رافضًا المكوث في المستشفى رغم إصابته وتعرض رجله للبتر.. أصبح هذا الضابط أيقونة لأحداث أسيوط.. أو إبراهيم الرفاعي للأمن المركزي لتلك الأحداث.. بعد ذلك صاحبته ألقاب كثيرة منها "الأسطورة".. "الدكتور".. "الدحداح".. وعالميًا "الضابط الأحمر".
كان الضباط والأفراد يرفضون المكوث في المستشفى.. كانوا يكسرون التعليمات للاستمرار في المواجهات.. وتحرير ما اغتصبته عصابات الجماعة الإسلامية.. أحد الضباط كانت شقيقته طبيبة.. كان يحضرها حينما تشتد الإصابة على أي ضابط أو صف أو مجند.. كانت تحضر دائما حتى في منتصف الليل أو قبيل الفجر رغم الأخطار المحدقة من قتلة لا يرقبوا إلا ولا ذمة.
في معركة تحرير مديرية أمن أسيوط.. بعد استشهاد الملازم أول أحمد وحيد رحمه الله.. تقدم أحد قيادات الأمن المركزي إلى المديرية.. كانت عصابة الجماعة الإسلامية المسيطرة على المديرية تطلق النيران من "جيرانوف" على قوات الشرطة.. تقدم الضابط الكبير منفردا.. أطلقوا عليه الرصاص.. كان الرصاص يطيش.. وبعضه أصاب الكتافة التي تحمل رتبته العسكرية الكبرى.. رفض الرجل أن ينحنى أمام طلقات الرصاص.. حينما سأله جنوده عن السبب قال لا أنحنى أمام طلقات إرهابيين.. وتقدمي أمامهم حتى تنفذ طلقاتهم.
لم تكتف قوات الأمن المركزي بتحرير أسيوط وإفشال مخطط السيطرة على المحافظة وباقي المحافظات الأخرى.. بل استمروا في مطاردة العناصر الإرهابية حتى ألقوا القبض عليهم بشكل كامل.. طيلة هذه الفترة التي استمرت بعد تحرير أسيوط أكثر من أسبوعين.. رفض المصابون المكوث في المستشفى.. كان الضباط والصف والجنود يستلهمون روح أكتوبر.. واصطفت أسرهم خلفهم وكانوا دعمًا لهم.
كانت ملحمة.. ندعوا وزارة الداخلية إلى تخليدها بافتتاح متحف الأمن المركزي.. وعرض الأسلحة المستخدمة في العملية التي بعضها انثنى من كثرة استخدام رجال الشرطة الأبطال لها.. وعرض الأسلحة التي استخدمها الإرهابيون.. وتعريفنا بطولات وأسرار عملية تحرير أسيوط أو ما نسميها نصر أكتوبر 1981 في ذلك المتحف.. توثيقا لتاريخ كتبه أبناء الأمن المركزي المخلصين بدمائهم من أجلنا.. من أجل مصر.. تحية لهم من القلب وسويدائه.