الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إسرائيل والخليج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استكمالًا لأحاديثنا المختلفة واحتفالاتنا بأجواء شهر الانتصارات – أكتوبر العظيم – ولما قرأناه سابقا سواء بقلمى أو بقلم أى من زملاء الكُتاب الآخرين عن دور بعض الدول العربية الشقيقة وخاصة الخليجية فى حرب العزة والكرامة – حرب أكتوبر المجيدة – نجد أن التاريخ يعيد نفسه فى أمور كثيرة جدا، فمنذ خمسة وأربعون عامًا قامت دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بمساندة مصر فى حربها على الكيان الصهيونى، وكانت تلك المساندة بالمال والسلاح والرجال، واليوم وبعد مرور كل تلك السنوات ما زالوا كما هم يقفون جوار مصر العظيمة، مصر الشقيقة الكبرى، وعلى النقيض تمامًا نجد كيانا آخر بينهم انفرد بمواقفه المخالفة لكل الأشقاء فى المنطقة، دائما وأبدا له أجندته الخاصة ومصالحه الخاصة، والتى تتعارض كل المعارضة مع مصالح المنطقة، والغريب والعجيب أن هذا الكيان لا يُميزه شىء قدر تميزه فى صغر المساحة الجغرافية وكبر مساحة الخسة والندالة، وهو هنا يشترك فى ذات نقاط تميز شقيقه وتوأمه الكيان الصهيونى.

وكما وصفها البروفيسور الأمريكى «آلان درشوتز»، الأستاذ بجامعة هارفارد، الذى يعمل مستشارًا للإدارة القطرية فى الولايات المتحدة الأمريكية، حينما صرح أن قطر مرشحة لتكون إسرائيل الخليج العربى، وبالفعل، فالناظر للأمور يجد أن دور «إسرائيل الخليج» يتعارض مع دور «عضو فى مجلس التعاون الخليجى العربى».

هذا التناقض الجوهرى، وليس الثانوى، يجعل حالة الاستقطاب عند الدوحة حادة للغاية إذا ما جاءت أزمة إقليمية تضطرها للخيار الواضح بين الخيار الخليجى العربى أو الخيار الإسرائيلى الصهيونى.

من هنا يمكن فهم أن كل خطوط الإدارة والأجهزة فى الدوحة تتم وفق 3 معايير جوهرية:

1- عدم التناقض مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

2- توظيف كل خيوط الاتصالات مع القوى المعادية للمصالح الأمريكية - ظاهريا- مثل «إيران، تركيا، حماس، طالبان، داعش، الحشد الشعبى العراقى، وبوكو حرام»، من أجل التأثير الإيجابى عليها لمصلحة واشنطن وتل أبيب.

3- إن كل هذه الاتصالات والمواقف التى تبدو متشددة، وكل التصريحات التى تصدر من وسائل إعلامية تابعة مباشرة أو ممولة بالكامل أو جزئيًا من الدوحة هى «بالتفاهم والتنسيق المسبق» مع الحلفاء الأمريكان والإسرائيليين بهدف خلق رصيد من المصداقية لدى تيارين شعبويين فى العالم العربى وهما «تيار الإسلام السياسى والتيار القومى العربى».

وقد يقول قائل مُوالٍ للاتجاه والمصالح القطرية «ألا توجد لدى الرياض وأبوظبى مصالح أمريكية؟ وألا تسعيان إلى سلام عربى- إسرائيلى؟ وبالتالى يصبح السؤال: إذن لماذا تلومون قطر؟ وما هو الفارق بين موقف الدوحة وموقف الرياض وأبوظبى من تلك المسألة؟».

الإجابة واضحة ومباشرة ويمكن تحديدها بصراحة دون التباس على النحو التالى:

1- أن كلًا من ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، وولى عهد أبوظبى محمد بن زايد، يؤمنان إيمانًا راسخًا بأهمية العلاقات الاستراتيجية بين بلديهما والولايات المتحدة الأمريكية بوصفها شريكًا استراتيجيًا تاريخيًا وأقوى دولة فى العالم، ودولة لا يمكن تجاهل وزنها النسبى فى سياسة وأمن واقتصاد العالم.

2- يؤمن كل من الأمير بن سلمان والشيخ بن زايد بالتعاون العسكرى والتنسيق الأمنى مع واشنطن.

لكن.. هذا يختلف تمامًا عن جوهر التعاون القطرى مع واشنطن، فهناك فارق كبير بين «الشراكة والتعاون» مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبين «العمالة لها».

فارق بين من يؤمنان بالتعاون العسكرى والتنسيق الأمنى مع واشنطن بما يخدم مصالح بلديهما، وبين من يقوم بتأجير أراضى الوطن كى تتصرف فيها القوات الأمريكية كما تشاء وقتما تشاء كما هو حادث فى اتفاق «قاعدة العديد».

باختصار ومباشرة تامة، هناك مسافة لا نهائية بين التعاون وبين الانصياع الكامل لإرادة قوى عظمى.

وحتى لا يكون هذا مجرد دفاع عاطفى بلا دلائل ارجع للتاريخ:

1- قيام الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، بطرد السفير الأمريكى من ديوانه حينما اعترض الأخير على صفقة السعودية مع الصين لشراء صواريخ صينية فى واقعة شهيرة نشرت وقتها.

2- قيام الإمارات بشراء أسلحة من دول متعددة خارج المصالح الأمريكية من روسيا إلى الصين وتوقيعها اتفاقيات تعاون مع الهند وفرنسا.

3- الزيارات المتعددة للمسئولين السعوديين والإماراتيين لموسكو والتعاون العسكرى معها.

4- حجم العلاقات التجارية بين أبوظبى والرياض وجمهورية الصين الشعبية.

5- الموقف الأهم والأبرز منذ موقفيهما عام 1973 وهو وقوف الرياض وأبوظبى بقوة وحسم قاطعين ضد واشنطن، وضد الرئيس باراك أوباما فى مسألة موقف الولايات المتحدة من ثورة 30 يونيو 2013 فى مصر وإنهاء حكم جماعة الإخوان، ولسوف يذكر التاريخ أنه فى الوقت الذى عرضت فيه كل من الرياض وأبوظبى مصالحهما الاستراتيجية مع واشنطن للخطر عند هذه الأزمة كانت الدوحة وأنقرة - فى الوقت ذاته - تضغطان بكل قوة على البيت الأبيض لإدانة ثورة 2013 فى مصر، والعمل على عودة حكم الإخوان لمصر.

6- موقف الرياض وأبوظبى من ضرورة الاستمرار فى استعادة الشرعية فى اليمن بالمخالفة مع الموقف الأمريكى.

7- موقف الرياض وأبوظبى والقاهرة وعمان من عدم المشاركة فى الترويج والتسويق لما يعرف بـ«صفقة القرن» إذا كانت لن تؤدى إلى مشروع الدولتين.

إذن، نحن لا نتحدث عن اختلال أو اختلاف فى المزاج السياسى لمن يحكم فى الدوحة تجاه أشقائه العرب، لكننا نتحدث عن خيار استراتيجى صريح وواضح من قطر فى مسائل خلافية جوهرية انفجرت بشدة فى وجه صانعيها، حينما أصبحت الخيارات ضرورة لا بديل عنها، وأصبحت صيغة قطر فى الإمساك بالعصى من كل الاتجاهات مستحيلة تمامًا ونهائيًا.

من أجل ذلك يمكن تفسير الموقف القطرى الحالى على أنه موقف خلاف استراتيجى جوهرى مع القاهرة والرياض وأبوظبى والمنامة، وأن مجمل العمل الدؤوب للسياسة القطرية الآن هو الإضرار بمصالح هذه الدول من أجل إسقاط زعاماتها.

العدو اليوم بمفهوم الأمن القومى القطرى موجود فى الرياض وأبوظبى والقاهرة وليس فى إيران أو تركيا أو إسرائيل.

الأعداء من الزعامات الآن ليسوا أردوغان أو خامنئى أو نتنياهو لكنهم عبدالفتاح السيسى ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد.

مما سبق بالأمس واليوم يمكن أن نفهم غدًا ماذا تفعل قطر اليوم وغدًا وبعد غد، وقتها لن نتفاجأ بمواقفها وتصرفاتها، وقتها سنعرف من هم الأشقاء حقا ومن هم الأعداء ومن هم يلبسون ثياب الأشقاء وهم يضمرون لنا كل شر.

حفظ الله مصر وشعبها وجيشها