لا شك أن إعلام الدولة له دور كبير فى تحقيق انتصار أكتوبر المجيد فى حرب عام 1973 على الجيش الإسرائيلى بعدما استفاد من سلبياته وإخفاقاته وتعمده نشر الأكاذيب فى يونيو 1967، وعندما كلف الرئيس الراحل أنور السادات الأب الروحى للإعلام المصرى والعربى الدكتور محمد عبدالقادر حاتم برئاسة مجلس الوزراء نيابة عنه لإعداد الدولة اعلاميا لحرب أكتوبر 1973، والذى بدوره قام بوضع خطوطا رئيسية لسياسة جديدة تقوم على اتباع المفاجأة الاستراتيجية، فاتبع أسلوبا جديدا لأول مرة لم يكن معروفا من قبل وهو التعتيم والتكتم الإعلامي، فمن يريد أن يحارب لا يعلن عن ذلك تنفيذا للحديث الشريف: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد قرر الإعلام المصرى –آنذاك - أنه يجب اتباع التعتيم والكتمان وعدم التصريح أو الإعلان عن أى معلومات يستفيد منها العدو فى مرحلة إعداد الدولة للحرب وذلك بعكس ما كان يحدث فى حرب 1967 حيث كانت أجهزة الإعلام تبين فى تصريحات المسئولين بأننا سنلقن إسرائيل درسا لن تنساه وأننا أكبر قوة حربية وكان هناك تهويل فى قواتنا وتهوين فى قوات العدو!
وهناك عبارة كتبها الجنرال إيلى زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عام 1973 فى كتابه «حرب يوم الغفران»، وهي: «كل موضوعات الإعلام المصرى كانت حملة خداع من جانب الرئيس أنور السادات، أو شخص ما بجواره، وأن ذلك ليعتبر أكبر نجاح لمصر فى حرب يوم الغفران (أكتوبر)»! وهى عبارة تدل على مدى نجاح الإعلام المصرى فى إخفاء قدرتنا على الحرب، وتحقيق المفاجأة الاستراتيجية فى حرب أكتوبر والذى كان صاحب الخطة الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام الأسبق!
حيث طبقت خطة الإعلام أثناء الحرب بنجاح تام عندما جمع رجال الإذاعة والتليفزيون الساعة 12 ظهرا يوم السبت 6 أكتوبر 1973 وكان البيان الأول قد أعد فى قيادة القوات المسلحة وطلب من المذيعين عمل بروفة لإذاعة البيان، ووضعت الخطوط الرئيسية فى هذه الخطة دون خطابة ولا إثارة ولا حماس بالنسبة لكل البيانات العسكرية، فالإعلام هو لنقل الأخبار وليس من عمله صنع الأخبار ومن المهم أن يتفادى كل أخطاء إعلام 1967 وهى سنة أطلق عليها عام النكسة! ولقد عرف الإعلام المصرى فى إبان إعداد الدولة للحرب بأنه يجب أن تغير أجهزة الإعلام الأسلوب الذى كان متبعا فى حرب 1967 وهو المبالغة وعدم المصداقية فى الأخبار التى كانت تذيعها أجهزة الإعلام، وأن يلتزم الإعلام المصرى بالمصداقية وعدم المبالغة. وربما كان من أسباب الهزيمة فى حرب 1967 عدم التعاون بين أجهزة الإعلام والقيادة العسكرية لذلك وضع أسلوب إعلامى جيد فى حرب 1973 مبنى على التعاون والتنسيق بين الدولة وأجهزة الإعلام وتولى المسئولية بمركزية واحدة.
كما اقتصرت إذاعة البيانات على المذيعين فقط، ولاداعى لأن تقوم المذيعات بالإذاعة خشية الانفعال، خصوصا وقد تقع أحداث ليس بها انتصارات فيصعب عليهن التحكم فى مشاعرهن، وقد سمحت بإذاعة المذيعات للبيانات بعد يوم 10 أكتوبر بعد أن تحقق النصر.
وكان من سياسات الإعلام وقتها هى أن تذاع جميع الأغانى الهادئة، ولا داعى للصراخ وافتعال أناشيد وطنية لا داعى لها والأغانى تكون مثل «على الربابة أغني، مع إذاعة أحاديث عن روعة قواتنا وصلابة الجبهة وما قامت به دول متقدمة فى الحرب العالمية الثانية من تقييد صرف التموين ببطاقة التموين. وكان دستور الإذاعة والإعلام فى عام 1973 هو الصدق والسرعة فى نقل الخبر، بحيث يستمع المواطن المصرى أول خبر عن أحداث الحرب بسرعة من مصادر الإعلام المصرية وقد نشرت كل أجهزة الإعلام العالمية أن أجهزة الإعلام المصرية لها مصداقية بينما الدعاية الإسرائيلية تذيع الأكاذيب، لأنها أذاعت بأنها هشمت عظام الجنود المصريين بينما الجنود المصريون يأسرون الجنود الإسرائيليين. وكان تعامل الإعلام المصرى فى 73 يقوم على أساس أن الحرب بالنسبة لنا ليست هدفا فى حد ذاتها، ولكنها وسيلة لا بديل عنها من أجل تغيير الأوضاع والمفاهيم التى سادت فى سنوات ما قبل أكتوبر وأنها أداة لتهيئة الظروف المناسبة للتوصل إلى السلام والاستقرار فى المنطقة!
ومن هذا المنطلق ارتكز إعلام أكتوبر 1973 على عنصر الصدق، وحرص على تحرى الحقيقة فى كل خبر ينسب إليه، حتى إن العالم بدأ يستقى الأخبار من الإعلام المصرى لما له من مصداقية فى مقابل أكاذيب وافتراءات كثيرة اتسم بها الإعلام الإسرائيلي.
كما إن مصداقية الإعلام المصرى كانت عونا لنا فى كسب تعاطف المجتمعات الأخرى واحترامهم لنا.. وقبل ذلك استعادة المصريين لثقتهم فى إعلامهم التى اهتزت بشدة عام 1967. لذلك فإعلام الدولة استوعب دروس هزيمة مصر والعرب فى عام 1967 ومهد للحرب بتخطيط ودقة عالية وبخداع إستراتيجى بالتنسيق مع القيادة السياسية وقاد المعركة بشفافية واقتدار وإيمان بالله، فحاز التحام الشعب ووحدة العرب واحترام العالم كله.