استلهمت الشاعرة نازك الملائكة من الموروث الديني، عناصر تشكيل قصيدتها «الماء والبارود»، فعلى طريقة التوازى المقدَّر بين واقعة تراثية وأخرى معاصرة، ربطت الشاعرة بين حال هاجر وابنها إسماعيل، وهما يهيمان فى الصحراء بحثًا عن الماء، وبين حال جنودنا الصائمين وهم يقاتلون فى صحراء سيناء بحثًا عن النصر، وقد اشتد بهم العطش، وحينما نادى المؤذن «الله أكبر.. يا صائمون أفطروا»، ردَّ الجنود: من أين لنا بالماء؟ جِرارُنا عَطْشَى!
رملٌ.. وريحٌ تزْفر..
وبطنُ وادٍ ساكن معفَّر
ينهضُ فى جانبه العطشان.. بيتُ اللـه
وخيمةٌ صغيرةٌ لهاجرَ.. وليس من حياةْ
لا ظُلَلَ نَدِيَّة.. لا مَهْدَ أعشابٍ.. ولا مياه
وصوتُها يَهْتِف: إبراهيم!
يا مُغدقَ الحنانِ والرأفة.. إبراهيم
لأين تَمْضِى مُسْرعًا؟ لأين إبراهيم؟!
وفيمَ قد تركتنا فى قلبِ رمضاءَ هنا نَهِيم؟!
هاجر الحزينة تركها إبراهيم وسطَ صحراء مقفهرَّة، ليس فيها سحابة تُمطر، ولا شاة تُنحر، ولا شجرة تُظلِّل أو تُثمر، ليس فيها من أحد؛ فقد هجرتها الحياة.. وهاجر تنادى إبراهيم: لماذا تتركنا ها هنا؟ طفلنا إسماعيل يبكى عطشًا، فلا يلتفت إبراهيم إلى نداءاتها ويختفى عنهم خلف التلال.
وفى الوجه الآخر من اللوحة، نجد جنود سيناء يهتفون «اللـه أكبر»، هتافة يسيل من صداها فى الصحراء الماء أنْهُـر، هتافة كانت رحمة اللـه من السماء لهم.. بنورها وبسِرِّها تحطمت الحصون التى زعموا أنها عصيَّة منيعة.. «الله أكبر» كانوا كلما صمتوا «ضجَّ بها المعسكر»، وكأنهم يقولون: «يا ربّ، اسقنا كما سقيتَ الطفلَ إسماعيل»، اسقنا بالنصر يا اللـه.
جنودُ مصرَ فى تِلَال النارِ والحِمَى
وصُفْرةِ الرُّبى المُبَعْثَرة
جاعوا لوجه اللـه.. ذاقوا لَذْعة الصيام
تجهَّزتْ تحت أكُفِّهم صواريخ
وكانت لَهُمُو الشرابُ والطعام
جنودُ مصرَ نقمةٌ مُفجَّرة
وحُرْقةٌ إلى كئوس الماء لا تنام
إيمانهم صيَّـرَ سيناءَ لطيارى اليهودِ مقبرة
نقلِب اللوحة، وننتقل إلى هاجر التى تسعى بين الصفا والمروة تُفتِّش عن الماء؛ وقد خدعها السراب حينما ظنته ماءً، ولكنها لم تستسلم كان كلما لَمِعَ أسرعت نحوه، حتى أنهكها التعب وأصابها اليأس، سقطت على الأرض ورفعت يديها إلى السماء تطلب السُّقْيَا؛ فإذا بالطفل إسماعيل يضرب بقدميه الأرض، فيتدفق الماء ينابيع من تحته.
يا هاجر الحزينة اهدأي
رَيَّانَة هذه الرياحُ أقبلتْ تحملُ أحلى نبأ
لطفلِك الصارخ فى دِثَارِه المُهْتَرِئ
الصبى إسماعيل سوف يرتوي
برحمة من ربِّه وتنطوي
دموعك المحمومة الحزينة
أما الجنود فلا يزالون ينتظرون الماء فى لهيب الصحراء، وتحت صواعق الطائرات التى تقذفهم كالمطر، وهم صامدون صابرون بين لظى الحرائق التى تريد أن تغرقهم فى بِرَك الدماء، ولكن هيهات أن تضعُف قوتهم أو تَفْتُر عزيمتهم؛ فاللـه أكبر كانت على الشفاه نغمًا، وتملأ الصدور فى وجه العدو لغمًا، واللـه فى سمائه يسمع ويرى، حتى جاء النصر وابتلت عروقهم بالماء.
الله أكبر.. ضجَّ بها المعسكر
يا صائمون انتظروا
إن وراءَ جدْبِكم جِذْرَ حنانٍ سوف يُزْهِر
وخلف حيرةِ العطاش كوكبٌ أضاء
ورحمةٌ من ربِّكم تَنْحَدِر
الله أكبر.. يا صائمون.. ربُّكم قد سمِع الدعاء
إن هذه الملحمة العظيمة التى سطَّرها جنود مصر البواسل على أرض سيناء الغالية الأبِيَّة، سوف تبقى على مرِّ الدهر آيةً تشهد على عشقهم ترابَ هذا الوطن، وعلى إرادتهم الفولاذية التى لا تُقهر، وأنهم لا يهابون الموت ولا يطمعون فى الحياة، فحياتهم أو موتهم سِيّان إلى أن يتحقق النصر.. وقد كان النصر، نصر أكتوبر المجيد، تغريدة للخلود، وأنشودة للحياة.
استلهمت الشاعرة نازك الملائكة من الموروث الديني، عناصر تشكيل قصيدتها «الماء والبارود»، فعلى طريقة التوازى المقدَّر بين واقعة تراثية وأخرى معاصرة، ربطت الشاعرة بين حال هاجر وابنها إسماعيل، وهما يهيمان فى الصحراء بحثًا عن الماء، وبين حال جنودنا الصائمين وهم يقاتلون فى صحراء سيناء بحثًا عن النصر، وقد اشتد بهم العطش، وحينما نادى المؤذن «الله أكبر.. يا صائمون أفطروا»، ردَّ الجنود: من أين لنا بالماء؟ جِرارُنا عَطْشَى!
رملٌ.. وريحٌ تزْفر..
وبطنُ وادٍ ساكن معفَّر
ينهضُ فى جانبه العطشان.. بيتُ اللـه
وخيمةٌ صغيرةٌ لهاجرَ.. وليس من حياةْ
لا ظُلَلَ نَدِيَّة.. لا مَهْدَ أعشابٍ.. ولا مياه
وصوتُها يَهْتِف: إبراهيم!
يا مُغدقَ الحنانِ والرأفة.. إبراهيم
لأين تَمْضِى مُسْرعًا؟ لأين إبراهيم؟!
وفيمَ قد تركتنا فى قلبِ رمضاءَ هنا نَهِيم؟!
هاجر الحزينة تركها إبراهيم وسطَ صحراء مقفهرَّة، ليس فيها سحابة تُمطر، ولا شاة تُنحر، ولا شجرة تُظلِّل أو تُثمر، ليس فيها من أحد؛ فقد هجرتها الحياة.. وهاجر تنادى إبراهيم: لماذا تتركنا ها هنا؟ طفلنا إسماعيل يبكى عطشًا، فلا يلتفت إبراهيم إلى نداءاتها ويختفى عنهم خلف التلال.
وفى الوجه الآخر من اللوحة، نجد جنود سيناء يهتفون «اللـه أكبر»، هتافة يسيل من صداها فى الصحراء الماء أنْهُـر، هتافة كانت رحمة اللـه من السماء لهم.. بنورها وبسِرِّها تحطمت الحصون التى زعموا أنها عصيَّة منيعة.. «الله أكبر» كانوا كلما صمتوا «ضجَّ بها المعسكر»، وكأنهم يقولون: «يا ربّ، اسقنا كما سقيتَ الطفلَ إسماعيل»، اسقنا بالنصر يا اللـه.
جنودُ مصرَ فى تِلَال النارِ والحِمَى
وصُفْرةِ الرُّبى المُبَعْثَرة
جاعوا لوجه اللـه.. ذاقوا لَذْعة الصيام
تجهَّزتْ تحت أكُفِّهم صواريخ
وكانت لَهُمُو الشرابُ والطعام
جنودُ مصرَ نقمةٌ مُفجَّرة
وحُرْقةٌ إلى كئوس الماء لا تنام
إيمانهم صيَّـرَ سيناءَ لطيارى اليهودِ مقبرة
نقلِب اللوحة، وننتقل إلى هاجر التى تسعى بين الصفا والمروة تُفتِّش عن الماء؛ وقد خدعها السراب حينما ظنته ماءً، ولكنها لم تستسلم كان كلما لَمِعَ أسرعت نحوه، حتى أنهكها التعب وأصابها اليأس، سقطت على الأرض ورفعت يديها إلى السماء تطلب السُّقْيَا؛ فإذا بالطفل إسماعيل يضرب بقدميه الأرض، فيتدفق الماء ينابيع من تحته.
يا هاجر الحزينة اهدأي
رَيَّانَة هذه الرياحُ أقبلتْ تحملُ أحلى نبأ
لطفلِك الصارخ فى دِثَارِه المُهْتَرِئ
الصبى إسماعيل سوف يرتوي
برحمة من ربِّه وتنطوي
دموعك المحمومة الحزينة
أما الجنود فلا يزالون ينتظرون الماء فى لهيب الصحراء، وتحت صواعق الطائرات التى تقذفهم كالمطر، وهم صامدون صابرون بين لظى الحرائق التى تريد أن تغرقهم فى بِرَك الدماء، ولكن هيهات أن تضعُف قوتهم أو تَفْتُر عزيمتهم؛ فاللـه أكبر كانت على الشفاه نغمًا، وتملأ الصدور فى وجه العدو لغمًا، واللـه فى سمائه يسمع ويرى، حتى جاء النصر وابتلت عروقهم بالماء.
الله أكبر.. ضجَّ بها المعسكر
يا صائمون انتظروا
إن وراءَ جدْبِكم جِذْرَ حنانٍ سوف يُزْهِر
وخلف حيرةِ العطاش كوكبٌ أضاء
ورحمةٌ من ربِّكم تَنْحَدِر
الله أكبر.. يا صائمون.. ربُّكم قد سمِع الدعاء
إن هذه الملحمة العظيمة التى سطَّرها جنود مصر البواسل على أرض سيناء الغالية الأبِيَّة، سوف تبقى على مرِّ الدهر آيةً تشهد على عشقهم ترابَ هذا الوطن، وعلى إرادتهم الفولاذية التى لا تُقهر، وأنهم لا يهابون الموت ولا يطمعون فى الحياة، فحياتهم أو موتهم سِيّان إلى أن يتحقق النصر.. وقد كان النصر، نصر أكتوبر المجيد، تغريدة للخلود، وأنشودة للحياة.