السبت 12 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ملكات الحرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حارب الجندى المصرى وانتصر ببسالة يشار إليها بالبنان فى الحرب التى أعادت رسم السياسة الدولية ليست فقط العربية أو الشرقية، لكن هل حارب الجنود أو الجيش بمفرده، أم كان وراءه جيوش أخرى تحارب فى ميادين عدة بالبسالة نفسها والصمود وقوة النفس والإيمان، هل وضعت الدولة خطة الحرب لجندى لم تزرع فيه امرأة الرجولة والتضحية والفداء، هل لم تدرسه معلمته قيمة الوطن وواجب حمايته، ألم تحكى له عمته وجدته عن تضحيات آبائه وأجداده بأرواحهم بنفوس راضية من أجل سلامة وأمن هذا البلد أرضًا وشعبًا، هل لم يخش فى قرارة نفسه على حبيبته وأخته من اعتداء أى عدو مجرم إذا ما تمكن من البلد؟ 
هل لم يتأثر بإعلامية مثل سلوى حجازى، التى كانت نجمة متلألئة فى سماء الإعلام والمجتمع المصرى وقبلت أن تضحى بحياتها فى ريعان شبابها من أجل خدمة وطنها بعد أن قدمت للمخابرات العامة كل ما يفيدها من معلومات مطلوبة أرسلتها قبل ركوبها الطائرة من ليبيا للقاهرة بعد شعورها بتتبع مخابرات العدو لها، وصدق حدسها، فقد أرسلت إسرائيل صاروخًا حربيًا يُدمر طائرتها ويقتل الجميع معتقدًا أنه بذلك قد منع وصول المعلومات الخطيرة والفارقة للغاية وقت الحرب، توفيت فى 21 فبراير 1973 عندما أسقطت طائرات الفانتوم الإسرائيلية الطائرة المدنية التابعة للخطوط الجوية الليبية عمدا فوق سيناء المحتلة آنذاك. ومنحها الرئيس أنور السادات وسام العمل من الدرجة الثانية فور وفاتها باعتبارها من شهداء الوطن. 
ألم يسمع الجندى والشاب العادى والطفل الصغير عن أم كلثوم التى استقبلت خبر نكسة يونيو وهزيمة الجيش المصرى بكل حزن وأسى مثلها مثل كل المصريين وقتها، إلا أنها سارعت وكانت من أوائل المطربين الذين أقاموا الكثير من الحفلات داخل مصر وخارجها للتبرع بأرباحها إلى المجهود الحربى وتغنى أغنيتها الشهيرة (أصبح عندى الآن بندقية). 
وأطلقت العنان لصوتها عاليًا ونادت على المصريين والعرب «إنا فدائيون» و«سير بإيمان وبروح وضمير.. دوس على كل الصعب». ووهبت كل حفلاتها للمجهود الحربى ورفعت شعار «الفن من أجل المجهود الحربى» وقالت: «لن يغفل لى جفن وشعب مصر يشعر بالعزيمة». 
تحملت أم كلثوم عناء السفر والتجول والغناء على حساب ظروفها الصحية 
وقتها كان أعلى إيراد لحفلات أم كلثوم العادية لا يتجاوز 18 ألف جنيه لكن ومع أول حفلة لصالح المجهود الحربى فى مدينة دمنهور جمعت 80 ألف جنيه وقدمها محافظ البحيرة وقتها وجيه أباظة للجمهور على أنها «أم كلثوم المناضلة التى تقاتل بأمضى سلاح وهو سلاح الفن، وفى الإسكندرية بلغ إيراد حفلها إضافة إلى التبرعات 100 ألف جنيه و40 كيلوجراما من الحلى بقيمة 82 ألف دولار.
وفى حفلة المنصورة حققت 125 ألف جنيه وفى طنطا 284 ألف جنيه.
لم تكتف بحفلات الداخل فى مصر فغنت فى حفلة باريس الشهيرة على مسرح الأوليمبيك، وقدمها الإذاعى الكبير الراحل جلال معوض وفى حفلتها الثانية فى باريس قال الزعيم الفرنسى شارل ديجول بعد الاستماع إليها، «لمست معها أحاسيسى وأحاسيس الفرنسيين جميعًا». واستطاعت كوكب الشرق تحقيق إيرادات من حفلات باريس 212 ألف جنيه استرلينى لصالح المجهود الحربى، زارت أم كلثوم الكويت وأبوظبى ولبنان وباكستان وتونس بحضور بورقيبة، وفى المغرب بحضور الملك الحسن الثانى وفى الخرطوم بحضور كل القيادات السودانية وفى البحرين والعراق وليبيا.
لم ينته عام 1970 إلا وأم كلثوم قد جمعت للمجهود الحربى أكثر من 3 ملايين دولار. ولم يدخل جيبها دولار واحد رغم المشقة والعناء فى التنقل والسفر وقد تجاوزت من العمر 68 عامًا.
هل يمكن لأحد أن ينسى اسم نادية عبد العظيم التى داوت جراح النكسة، وعاشت لحظة الانتصار، كانت رمزا للكثير من بنات جيلها، اللائى لعبن دورا هاما فى الحرب منذ النكسة وحتى النصر، تطوعت نادية بفرقة التمريض عام 1967 عقب الهزيمة، وكانت تبلغ من العمر 14 عامًا، وعندما استدعيت قبل يوم السادس من أكتوبر علمت أنها ستعمل لإعادة كرامة مصر من جديد، فقررت الذهاب مباشرة إلى مستشفى الهلال الأحمر فأخذت إجازة مفتوحة من العمل، وظلت تدعو الله ألا ترى زوجها ضمن المصابين، حيث كان زوجها مجندًا فى تلك الفترة ؛ وكانت قد شاهدت إصابات شديدة بين من تم نقلهم من الجبهة «ظلت أكثر من 3 أيام متواصلة بدون نوم، تواصل عملها بالمستشفي، حتى فاجأها مدير قسم التمريض وقال لها إن زوجها رجع من الحرب مصابًا، وتم نقله إلى مستشفى كوبرى القبة فذهب لتشارك فى إسعافه وشكرت الله بعودة زوجها بالسلامة وبعد الحرب خرج الاثنان للحياة المدنية ليواصلا الكفاح.
ومن المتطوعات للتمريض أيضًا كانت الفنانة نادية لطفى، سواء فى حرب الاستنزاف أو خلال حرب أكتوبر، فكانت تذهب إلى الجبهة مخاطرة بحياتها لرفع معنويات الجنود هناك، بالإضافة إلى انضمامها إلى طاقم التمريض فى مشفى المعادى العسكري، كى تساعد فى أعمال التمريض، وكذلك أعمال النظافة فلم يكن لديها مشكلة فى مسح أرض المشفى خدمةً لوطنها وجنوده المدافعين، ولم تكتف «لطفى» بذلك، ولكنها شاركت فى فيلم تسجيلى نادر من إخراج شادى عبدالسلام لدعم جنودنا على الجبهة، وكانت تتولى كتابة الرسائل من الجنود المصابين إلى أمهاتهم وذويهم.. كل فنانة شاركت فى عمل داعم للحرب أو لخطة الخداع الاستراتيجى للعدو كل فنانة شاركت فى أعمال فنية أيامها وقتما قررت الدولة التغطية على أخبار الحرب بالحفلات والأفلام وحكايات الفنانين.
كل فنانة قررت زيارة المحافظات القريبة والبعيدة لجمع التبرعات لدعم الوطن، كان أبرزهن فاتن حمامة وشادية وغيرهن كثيرات وكثيرات، لسن كلهن نجمات شهيرات لكن: كل طبيبة وممرضة ساهمت فى علاج وإنقاذ حياة جندى مصرى لم يبخل على بلده حتى بدمائه، كل عاملة وموظفة ومعلمة وربة منزل عملت وتحملت ودبرت لتعيش وأسرتها وقت الحرب، تلك الحروب التى كانت تقودها فى مصر القديمة ملكات مثل حتشبسوت وغيرها اتضح فى مصر الحديثة أن الجين المكون للشخصية المصرية المعجونة برزق وطيبة مياة النيل وشموخ الأهرامات وحضارة القرون الطويلة تظهر فى الأزمات مهما ظن الجميع أن الظروف قد طمست هويتها، فالملكة المصرية التى حكمت قديمًا وقادت الجيوش وانتصرت هى هى الأم التى أرسلت ابنها الوحيد ليحارب متسلحًا بقوتها ودعائها وقوة إيمانها بربها ووطنها.. كلهن وإن طال الزمن ما زلن ملكات الحرب.