حصنت إسرائيل منطقة لسان بورتوفيق، واعتبرتها النقطة الأولى الحصينة والأقوى فى خط بارليف فى مدخل القناة من الناحية الجنوبية.
حيث هذا الموقع الفريد كان يمثل تهديدًا مباشرًا لمدينة السويس ومنطقة بورتوفيق ومناطق الزيتيات التى بها معامل البترول، كما أنها النقطة الحصينة التى لها تأثير مباشر على منطقة «الجزيرة الخضراء» وسط خليج السويس والقاعدة البحرية فى «الأدبية»، ومن هنا جاء اهتمام إسرائيل بالنقطة الحصينة على موقع لسان بورتوفيق.
ولأهمية الموقع تأكد الجيش المصرى مبكرًا وفى القلب منه الجيش الثالث الميدانى «المجموعة ١٢٧ صاعقة بالفرقة ١٩» وكان التحدى واضحًا فى خطورة حصن بورتوفيق، فقد تم دراسة الموقع مبكرًا بالمراقبة بالنظر المستمر خلال الفترة من مارس إلى أبريل عام ١٩٦٩ من أجل الحصول على معلومات لمعرفة نوع الأسلحة وعدد الجنود وآلياتهم العسكرية وما حول الموقع من تحصينات تشمل الأسلاك الشائكة والألغام والمتاريس، فضلا عن نوعية التحصينات من شبكات الدبش الصخرى الجرانيتى والرمال المتصاعدة فى قمة اللسان.
وقد تم تحليل المعلومات ووضع خطة للهجوم على لسان بورتوفيق، وبدأت بالاشتباكات أثناء حروب الاستنزاف، ورغم التحديات والصعوبات الكثيرة، حيث المياه البحرية وعمليات المد والجزر التى كانت تصل إلى ما يزيد على ٣٠ سم بالإضافة لسرعة التيارات المائية البحرية فى المنطقة، علاوة على التهديدات بمواسير مادة النابالم الكيميائية الحارقة، والتى أعدتها إسرائيل لقتل كل من يحاول عبور القناة.
وقد قام أبطال الجيش الثالث الميدانى من الصاعقة والأجهزة المعاونة، بالهجوم على الموقع وتحقيق خسائر حيث تم قتل ٤٠ جنديًا وأسر جنديين آخرين.
وقام العدو بالاشتباك بالطيران فى رد فعل على الهجوم، وكان ذلك متوقعًا من قواتنا المسلحة ومرة أخرى بدأت التحضيرات مجددًا للقضاء على النقطة الحصينة الإسرائيلية «لسان بورتوفيق» بالسويس.
وقامت قوات الجيش الثالث الميدانى بدراسة معلومات العدو داخل وخارج النقطة الحصينة وتوقعات النجدة والمساندة الخارجية لها.
حيث كان يحتل لسان بورتوفيق الحصين مجموعة سرية مظلات مدعمة بفصيلة دبابات وعدد ٢٤ مدفع رشاشات و١٢ مدفعًا، مع تمركز قوات الاحتياطى.
ومنذ أول يوم للهجوم الشامل لحرب أكتوبر فى اليوم السادس، كان الهدف واضحًا للكتيبة «٤٣ صاعقة» و«المجموعة ١٢٧» تحت قيادة الجيش الثالث، ومعاونة «الفرقة ١٩» حيث بدأت المعركة شرسة واستخدم فيها ٩ قوارب مطاطية وعدد من الجنود والضباط البواسل.
وقد أدرك قائد الحصن الإسرائيلى الملازم أول «شلوموا أردينست» خطورة الموقف، وبعد أن تم محاصرة النقطة القوية الحصينة وتوقف الدعم الإسرائيلى بسبب اشتعال الجبهة بالكامل من أول السويس وحتى بورسعيد وإلى العمق فى كل سيناء، وأصبح الجنود الإسرائيليون داخل النقطة الحصينة فى بورتوفيق فى سجن إجبارى بعد أن قتل منهم ٥ جنود وإصابة ٢٠ جنديًا، حيث المعارك الطاحنة والهجوم الكثيف على الموقع.
ومع قلة الذخائر للجنود الإسرائيليين وحصارهم طالب «شلوموا أردينست» قائد الموقع الإسرائيلى، النجدة والإمداد إلا أنه لم يجد استجابة بسبب أن قيادة المنطقة الجنوبية الإسرائيلية ذاتها كانت فى حالة هلع بسبب هجوم المصريين المفاجئ وغير المتوقع.
واستمر «شلوموا» فى المقاومة رافضًا الاستسلام رغم تحذيرات المصريين بضرورة تسليم الحصن، وأنه محاصر وسوف يواجه الموت هو ومن معه.
أثناء ذلك كان «شلوموا» ينادى ويطالب بالنجدة عبر الأجهزة اللاسلكية وفجأة جاء الرد من القيادة الجنوبية ومن «شئول جنين» بل ومن «شارون» نفسه، الذى كان يقود العمليات بالمنطقة الجنوبية ناحية السويس (إذ لم نستطع خلال ٢٤ ساعة إرسال تعزيزات عليكم الاستسلام) كان داخل الحصن ٤٢ جنديًا إسرائيليًا و٥ قتلى و٢٠ مصابًا بإصابات بالغة. وقد أجرى قائد الموقع الإسرائيلى «شلوموا» عبر عدة مكالمات التقتطها القوات المصرية (إننى لن أستسلم رغم أنى محاصر والجيش المصرى يطالبون بالتسليم) وجاء الرد حزينًا من القيادة الإسرائيلية (سلم نفسك وأطلب الصليب الأحمر).
وأمام الحصار المحكم لأبطال الجيش الثالث الميدانى من الصاعقة والمقاتلين أبطال الفرقة ١٩ وأمام تعفن الجثث الإسرائيلية داخل الموقع والحالة المتردية للمصابين، وعدم وجود أى إمداد أو نجدة للموقع بسبب شراسة النيران المصرية، بات موقف القوات الإسرائيلية فى الحصن فى وضع لا تحسد عليه لعدم قدرتها على الهروب، أو بسبب عدم تمكنهم من أى إمداد أو نجدة بالمساعدات العسكرية.
ولأن نيران المعارك مشتعلة بطول المواقع على أرض سيناء، التى تكبد فيها العدو خسائر فادحة، وأمام لجنة الصليب الأحمر الدولية، ووجود المخابرات العسكرية المصرية، لم يجد الضابط الإسرائيلى سوى أن يقبل بإنزال العلم الإسرائيلى طواعية ويقوم بتأدية التحية العسكرية للمقاتل المقدم زغلول فتحى، وهو يتسلم العلم الإسرائيلى ويرتفع العلم المصرى على النقطة الأقوى والأولى من خط بارليف من ناحية السويس، وأول نقطة فى جنوب القناة، وقد تم أسر ٤٢ جنديا وتسليم ٥ جثث، بالإضافة إلى المصابين، ويسجل التاريخ يومًا مشهودًا للعسكرية المصرية ورجالها الأبطال من الجيش الثالث الميدانى. ولعل الملفت للنظر هو اهتمام كل وكالات الأنباء العالمية بنشر صورة تسلم الموقع، ولعلها الصورة الأشهر باعتبارها الانفراد بين صور الحرب فى أكتوبر، حيث دخلت معركة تحرير لسان بورتوفيق بالسويس من أيدى الإسرائيليين التاريخ من أوسع أبوابه، بسبب أنها أول موقع إسرائيلى يستسلم ويُسلم العلم الإسرائيلى، ويرتفع أول علم مصرى، وهو ما يعنى علامة النصر الأولى فى حرب أكتوبر. وتبقى التحية للشهداء والأبطال الذين ساهموا وشاركوا فى هذه المعركة المهمة والتى مر عليها ٤٥ عامًا، ويبقى أخيرًا أن نتذكر أن الراحل الشاعر عبدالرحمن الأبنودى قد كتب قصيدة عن «بورتوفيق» قبل تحرير النقطة القوية مبشرًا بالنصر.