أن نحتفل بالانتصار العظيم فهو حق وواجب، حق لأرواح الشهداء، القادة العظام والجنود البواسل، وواجب لإدراك الدروس وتخليد الذكرى فى عقول ووجدان الشباب الذى لم ير ولم يقرأ عن أنبل أيام التاريخ المصرى والعربى فى عصرنا الحديث.. المنطقى أن نحتفل بعزة، والطبيعى أن نشعر بزهو مستحق، لكن الجديد فى احتفالاتنا الرسمية هذا العام تلك الرسالة الرائعة التى بعث بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لملايين المصريين، وهو يضع أكاليل الزهور ويقرأ الفاتحة على قبرى الزعيمين الراحلين السادات وعبدالناصر.
مشهد لا يجب أن يمر مرور الكرام، ولفتة لا تخطؤها عين، فهى ليست مجرد لمسة وفاء عظيمة من قائد حمل رأسه على كفيه فداء للوطن واستجابة لمطالب أمة فحرره من براثن ميليشيات إرهابية، إلى قائدين حررا مصر من براثن احتلال غاشم، تقول رسالة الرئيس - بالفعل وليس بالكلمات - إن الانتصار العظيم سيظل مبعثًا لفخرنا، وأن جيشنا العظيم سيظل مرابطا وبأعلى قدر من الجاهزية والكفاءة والقدرات القتالية لحماية تراب الوطن ودفاعا عن أمننا القومى عين حارسة وحائط صد منيع لا يقو أحد على اختراقه فهو السند للشعب وقت النداء، وللأمة عند الاستدعاء.
رسالة الرئيس الثانية، هى أن الأمة المصرية يجب أن تفخر بأبطالها بمن حارب فى معارك استنزاف أقضت مضاجع العدو، وكبدته خسائر فادحة، بضربات موجعة لم تجعله يهنأ يوما باحتلاله للأرض، فالرئيس عبدالناصر كان عند حسن ظن شعبه وأعلن على العالم كله رفضه للاستسلام بمقولته الخالدة (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، وتحول الشعار إلى عمليات عسكرية وفدائية موجعة لسارقى الأرض، وتحولت كلمات الزعيم إلى قنابل وبارود حارقة لكل ما تطاله على جبهة العدو.
وسار البطل محمد أنور السادات على درب صديقه ورفيق الكفاح حتى حانت لحظة الحسم فى معركة الكرامة واستعادة الكبرياء، بعد أن دعم صفوف القوات المسلحة بما تيسر من سلاح حصل عليه بشق الأنفس، لكن منذ متى كان السلاح وحده يحسم حروبا، والتفوق يحسب فقط للمعدات القتالية، فما حققه المقاتل المصرى هو المعجزة بعينها التى انتقل فيها الشعب كله من مرحلة اليأس إلى المجد والانتصار، أكتوبر هى معركة شعب وجيش، قادة وجنود، جنود ظلوا على الجبهة بعد مساء يونيو الحزين حتى ثأروا لأنفسهم وشعبهم ووطنهم، ومنحوا للأجيال بعدهم عزة وكرامة ووطن حر أبى يرفض الانكسار.
يجب ألا ننكر لقادتنا فضلهم، وألا نتحزب خلف رأى يقودنا إلى تقسيم مقيت، أو إهانة حتى ولو كانت غير متعمدة لصفحات ناصعة، وزعماء بذلوا ما يستطيعون فى لحظات عصيبة وظروف قاسية.. عبدالناصر قدم لمصر الكثير والسادات منح الوطن حياته وروحه، فلا يستحق الاثنان سوى كل تقدير واحترام بما يليق باسم كل زعيم، هذا ما فهمته من زيارة الرئيس السيسى، نوع من التقدير والوفاء، ورسالة لكل المصريين بألا يختلفوا حول الزعيمين لتناصر طائفة الرئيس عبدالناصر وطائفة أخرى تتشيع للرئيس السادات، والحقيقة التى أراها بوضوح وانحاز لها بموضوعية أن الإشادة بمرحلة تاريخية أو قائد لا يجب أن تمر من بوابة الإساءة لزعماء أو قادة آخرين، فمنطق الإقصاء فى تناول تاريخنا أو تقييم زعمائنا هو منطق باطل وفاسد وظالم بكل المعايير تاريخية كانت أو سياسية، وهو فخ يتم نصبه للمصريين من حين لآخر لافتعال أزمات وإشعال فتن بهدف تقسيم الأمة ليظل أبناء الوطن فى حيرة وشقاق.