الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حواديت عيال كبرت «38».. «أكتوبر ونبوءة أستاذي وسباطة البلح»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
45 عاما من النصر، نسرد فيها قصص الأبطال من معين لا ينضب، كل شبر في مصر كان يطرح بطلا، لكن استوقفني سؤال شغلني هذا العام قالته لي ابنتي «روان»: «تيتا كانت فين وقت الحرب؟» فعلا أين كانت الستات في الست ساعات؟ كل الحكايات كانت عن رجال أو نساء ضمدن جراحات الأبطال.. لكن أين كن بقيتهن.. كانت أمي تجلس في بيت والدها في إحدى عمارات شبرا وفجأة سمعت هرج في الشارع والناس تجري وتردد: «الحرب قامت»، أزيز الطيران في السماء، كان كخلايا نحل كشفها النحال فجأة فخرجت منها أسراب حجبت الشمس، صوت آذان هز البيوت كزلزال في غير موعد صلاة، فجدي كان لتوه ختم صلاة الظهر ولم يكن يعلم أن جنودنا ستصلي العصر في سيناء، أبي كان هناك يٌطهر ماء القناة للوفود القادمة للوضوء، جارتنا تلك الصبية التي كان زفافها قبل تلك اللحظة بتسعة شهور، وضعت ابنا كما حكت لي أمي سمته «نصر»، شيخ الكٌتاب أسرع، ليحضر دواة الحبر ويضع فيه كف الصبي ويرسل رسم أصابعه لوالده المجند كاتبا: «هذا ابنك قد أتى فقاتل من أجل أن يمشي رافعا رأسه». بعد ساعات رد الأب برسالة أسقطها من طائرته عبارة عن علم مصر مكتوبا عليه: «دحرنا العدا»، في البيت المقابل كانت خالتي الطيبة قد لملمت كتب ابنها الكبير من على مكتبه وقالت لن يكون لك مستقبل إذا لم يكن هناك مستقبل لهذا الوطن، اذهب وقاتل هناك وعد إلي برفات والدك أو برأس من قتله مذ 6 سنوات، على عجل ارتدى ابنها بنطاله وقميصه وحينما وصل إلى محطة الترام كانت الحشود من الشباب قد حجبت أي موضع لقدم، حلقات الذكر حول الراديوهات لم تنفض سوى من الملائكة، ربما لأن الله كان قد أعطاهم أوامر أن يذهبوا هناك ويقاتلوا لكي لا تنكسر شوكة أفضل أمة موحدة، وصولوا الملائكة مع أول طلعة جوية ورأتهم قلوب الجنود فهللوا وكبروا، كان عم خيري حينها في القرية يجلس على المصطبة ويلتف حوله الصغار يحدثهم طيلة اليوم عن ذلك الجندي الذي دمر 16 دبابة وفرك أجنحة طيارة بيده، وكانت جدتي قد جمعت النساء وذهبن لتمريض الجرحى في المستشفى العسكري، حكايات كثيرة جمعتها ورسخت في ذهني رأيت آثارها في ظهر أبي وأنا أتحسس موضع الشظايا وهو يحكي لنا كيف عاش وكيف عبر وكيف استشهد كل بطل، في الصف السادس الابتدائي قال لنا الأستاذ محمود شبل، مدرس اللغة العربية اليوم ذكر نصر أكتوبر المجيد، فاكتبوا عنه موضوعات تعبير وأفضل موضوع سيأخذ «سباطة البلح» هذه، كان أستاذي العزيز لديه نخلة في الأرض قد جنى طرحها في ذكرى 6 أكتوبر، كان أقراني جمعوا معلوماتهم من بعض الأفلام التي شاهدوها بينما كنت أنا دون أن أشعر سجلت في رأسي حكايات كثيرة، وكنت أرى على صغر سني أن تلك الأفلام التي تٌعرض لا تمت لما جرى بصلة، إذ كيف نختصر ملحمة في بها ملايين الحكايات في ساعات.. أدركت أننا غير منصفين لهذا الحدث الذي لا يقل في أهميته التاريخية عن أي غزوة من الغزوات الإسلامية، هنا آخر الخيط وأوله، هنا عمود الخيمة الذي لو سقطت سقط راية العرب ولا أغالي إن قلت سقط الإسلام، كتبت وكتبت حتى انتهيت بجملة طرأت على ذهني وهي : «هذه السباطة يا أستاذي إن فزت بها سأمر على كل جنود قريتي وأعطي كل جندي منها رطبا جنيا.. وأقول له كل واشرب وقر عينا فاسمك قد سجلته السماء»، قرأ أستاذي الموضوعات واختار موضوعي وبعد أن أثنى عليه سألني ماذا تأمل أن تكون في المستقبل؟ قلت له: مهندسا يا أستاذي، رد علي: لا أنت ستكون صحفيا فمن ذا سيكتب عن الناس ما يحبونه إذا كنت أنت مهندسا.. الله خلقك لذلك.. لذا ما تخليت قط عن نبوءة مدرسي.