الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حرافيش في حرب أكتوبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوما ما، فى إحدى مقابلاته التليفزيونية الكثيرة، سألته المذيعة: أين كنت وقت بدء حرب أكتوبر وكيف عرفت الخبر، أجاب الفقيه الإخوانجى «صبحى صالح» دون أن يطرف له رمش: سمعت الخبر من الراديو وكنت قاعد أشرب شايا مع صديق على المقهى!!!!.

وبينما كان الفقيه الأهطل مثل رئيسه يستمتع بشرب الشاى فى نهار العاشر من رمضان، كان هناك على الجبهة شباب يكتبون بدمائهم تاريخا جديدا

كان هناك البطل جندى مجند محمد عبدالعاطى الحائز على نجمة سيناء، صائد الدبابات (23 دبابة و3 عربات مصفحة)، وكان هناك البطل جندى مجند إبراهيم عبدالعال الحائز على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى (18 دبابة و2 عربة مصفحة).

وكان هناك الحرفوش «مصرى» الذى أسر دبابة إسرائيلية بكل طاقمها دون الاستعانة بأى سلاح

الحكاية كما يرويها الدكتور إبراهيم السايح أستاذ التاريخ فى مذكرات غير منشورة، وكان وقتها طالبا بكلية الآداب ضمن فريق المقاومة الشعبية السكندرى على جبهة القتال:

فى فترات الراحة من النوبتجيات التى كنا نشارك فيها قبل وبعد وقف إطلاق النار، كنا نذهب إلى المقاهى الشعبية داخل مدينة الإسماعيلية لقضاء أوقات الفراغ، وكنا نستخدم الدبابات فى الوصول إلى هذه المناطق نظرا لعدم وجود وسائل مواصلات أخرى، وفى إحدى هذه الرحلات رافقنا فى الجلوس على المقهى أحد الضباط من طاقم الدبابة، وأثناء تواجدنا هناك أشار لنا إلى جندى يلعب طاولة مع جندى آخر، ويمدد قدميه على أريكة أمام المقعد الذى يجلس عليه، ثم روى لنا قصة هذا الجندى قائلا إنه تمكن من أسر دبابة إسرائيلية بكل طاقمها، وإنه أنجز هذه المهمة دون الاستعانة بأى سلاح، حيث استخدم علبة عصير فارغة وأوهم طاقم الدبابة بأنها قنبلة يدوية وأنه سوف يفجرها داخل الدبابة بعد أن اعتلى البرج أعلى الدبابة، ولما استسلم الطاقم له قام بالاتصال بوحدته من خلال اللاسلكى وطلب من القائد استدعاء الفريق الشاذلى شخصيا لاستلام الدبابة «السنتوريون» الأسيرة!

بعد رواية هذه القصة قام الضابط باستدعاء الجندى ليروى بنفسه هذه الأحداث، ونهض الجندى متأففا وقال للضابط إنه زهق من استدعائه بين الحين والآخر لإعادة رواية القصة على أسماع «طوب الأرض»، وأنه لم يفعل شيئا بجانب بطولات زملائه الآخرين، واستأذن فى الانصراف عنا لاستكمال لعب الطاولة مع زميله!!

حرفوش آخر إسكندرانى من حارة اليهود، اعتبره زملاؤه إحدى المعجزات الإلهية، كان مجندا ومكلفا بقيادة سيارة «فنطاس» ضخمة من سيارات نقل الوقود، وأثناء سيره بالسيارة الضخمة شن العدو غارة طيران ومدفعية عنيفة على مواقع الجيش الثانى، واضطر لإيقاف السيارة والاختباء تحتها وفق التعليمات، وتعرض هذا الموقع الذى توقفت فيه سيارة الوقود إلى كمية قذائف تكفى لإبادة مدينة كاملة وفق رواية زملاء هذا الجندى، واستشهد كثيرون خلال القصف دون أن تصاب سيارة الوقود بشظية واحدة كانت كفيلة بإنجارها وتدمير كل ما تبقى فى هذه المنطقة، وخرج الجندى عقب انتهاء القصف المزدوج دون أن يصاب بخدش واحد، واعتبره زملاؤه عقب هذه الواقعة شخصا من أصحاب وأهل الحظوة، وتنافسوا فى التقرب إليه عساه ينقل لهم شيئا من البركة التى اختصه الله بها!!

كان يرافق الفريق السكندرى للمقاومة الشعبية فريق آخر من المقاومة الشعبية القادمة من السويس، وفى أوقات الراحة قبل وبعد وقف إطلاق النار، كان الفريقان ينظمان مباريات كرة قدم فى ملاعب أو مساحات صالحة للعب بالقرب من معبر رقم (6)، ولثناء إحدى هذه المباريات انطلق عدد من من طائرات العدو من الشرق إلى الغرب، ووصل إلى المكان الذى تقام فيه المباراة، واستمرت المباراة رغم ذلك إلى أن حضر أحد كبار الضباط ومعه آخرون، واعتقد الزملاء أن اللعب فى هذه المواقع خروج عن الانضباط فى جبهة قتال، ولكن الضابط الكبير ابتسم وطلب اسئناف اللعب لأن هذه الطائرات تقوم باستطلاع أحوال الجيش المصرى فى جبهة القتال، ومسألة أداء مباريات كرة قدم على الجبهة أمر فى صالح التقييم الإيجابى للجيش النظامى والقوات الشعبية فضلا عن المواطنين الذين كانوا موجودين آنذاك فى المدينة بحكم أعمالهم فى المطاعم والمقاهى وسائر الخدمات المدنية الأخرى، وتحولت بعدها هذه الظاهرة إلى سلسلة مباريات منتظمة تشبه الدورى وإن كانت مقصورة على الإسكندرية والسويس بصفة عامة، وبعض لاعبى الإسماعيلية أحيانا.

عند وصول فريق المقاومة الشعبية السكندرى (180 من شباب جامعة الإسكندرية معظمهم من طلاب السنوات الأولى )، تم توزيعهم على مجموعة من الكمائن داخل مدينة الإسماعيلية، ولم تكن ثمة عقبات فى السكن والإقامة اللهم عدم وجود تسليح حقيقى مع أحد من أفراد الفريق، وأمام هذا الوضع المحبط قرر بعض طلاب التربية الرياضية اصطحاب عدد من الطلاب الغاضبين وذهبوا فى شكل مظاهرة إلى مكتب العميد المسئول عن المقاومة الشعبية، وقال الرجل لهم إن تسليحهم بالذخيرة الحية ليس من اختصاصه، لأن أحدا من القيادة العامة لم يبلغه بوصول مقاومة شعبية من الإسكندرية، وإن الأمر كله تم من خلال مسئولى الاتحاد الاشتراكى بالمحافظة دون تنسيق حقيقى مع قيادات الجيش فى الجبهة، واستمر اعتراض أعضاء الفريق السكندرى رغم كلام الرجل، واحتد بعضهم عليه واشتعل غضب الجميع بعد شعورهم بالإحباط الشديد لعدم إمكانية مشاركتهم فعليا فى الدفاع عن المدينة، وأمام هذه الثورة فوجئ الجميع بالعميد يكاد يبكى تأثرا، وقرر صرف السلاح والذخيرة الحية لكل فرد من الفريق السكندرى دون انتظار أوامر من الجهات الأعلى قائلا: «حتى لو فيها محكمة عسكرية».

كان الحد الشمالى لقوات الثغرة الإسرائيلية فى قرية سرابيوم جنوب الإسماعيلية، وكانت آخر نقطة قبلها شمالا هى قرية أبوعطوة، وكان رجال الصاعقة يذهبون كل ليلة إلى سرابيوم وغيرها من مواقع الثغرة ويقومون بإغارات بالسلاح الأبيض على قوات الاحتلال ويتقاضى كل منهم مكافأة فورية عند عودته عن كل قتيل من جنود العدو بعد أن يقدم للقيادة دليلا على قيامه بالمهمة.

بعد وقف إطلاق النار وقبل قليل من انتهاء مباحثات فض الاشتباك، قام أحد الضباط باصطحاب بعض من الفريق السكندرى من أبوعطوة إلى سرابيوم بعد أن وضع منديلا أبيض على سونكى البندقية.

في سرابيوم فوجئ أعضاء الفريق بأن قوات العدو عبارة عن شباب من طلاب الجامعات، أصلهم يمنى، ويتحدثون اللغة العربية، وقاموا بتقديم وجبة فخمة من الطيور واللحوم والفواكه لأعضاء الفريق، وقالوا إنهم كارهون البقاء في هذه المنطقة أكثر من أصحابها، وطلبوا في شكل رجاء من الضابط المصري المسئول أن يقنع زملاءه بالكف عن الإغارات اليومية على مواقعهم لأنهم مجبرون على البقاء في الغرب إلى حين، ودون أن تكون لأى منهم قناعة شخصية بتلك الثغرة الحمقاء التي اخترعها شارون.

كان الجنود اليهود صادقين فى الكلام، فبعد عدة أيام انتهت محادثات فض الاشتباك التي كانت مصر تطلب فيها مجرد عودة قوات إسرائيل إلى حدود 22 أكتوبر، بينما قررت إسرائيل الانسحاب من كل مواقعها غرب القناة، وفى ليلة إعلان هذا القرار كانت سرابيوم تشبه ساحات الأفراح حيث احتفل حتى الصباح جنود الاحتلال بموجة عارمة من الرقص والأغانى ابتهاجا بخروجهم من المصيدة التي وضعتهم فيها قيادة الجيش الإسرائيلى.

وجاء موعد العودة، بعد شهرين على الجبهة، قررت الحكومة استئناف الدراسة بالجامعات، وعاد الفريق السكندرى للمقاومة الشعبية، وفى القاهرة قبل السفر للإسكندرية، استقبلهم ابن الإسكندرية ممدوح سالم رئيس الوزراء وقتها، الذى أشاد خلال اللقاء ببطولات المقاومة الشعبية ووطنية كل من شارك فيها.

عاد أبطال المقاومة الشعبية السكندرية، بينما كان الفقيه الإخوانجى (الصول السابق) صبحى صالح، ما زال مع إخوانه على المقهى يحتسون الشاى بالياسمين.