السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رَيَّا وسكينة أصدق من دراكولا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظلت جدتي تروي لي حكايات مثيرة لم أعرف وقتها حقيقية كانت أم خيالًا، وأنا بعمر العشر سنوات، كان بعضها عن الأشباح وأبو رجل مسلوخة والبعض الآخر عن زيارات المقابر في العصور القديمة، وما كان يحدث في أروقتها عندما يحل المساء ويكسو الظلام أنحاء القرية، لا أعرف لماذا كنت أحب الاستماع إلى تلك القصص المثيرة والمرعبة أحيانا من جدتي، ربما لأنها كانت تمتلك مهارة كبيرة في سرد الحواديت.
كبرت وظلت جدتي بشخصيتها التي عاهدتها لم تتغير كثيرًا، فقط تداخلت بعض خصلات الشعر البيضاء القليلة لتمتزج بشعرها الأشقر، تتابع صفحة الحوادث في الجريدة كل يوم، وتشاهد الجرائم في التلفاز وتستمع إلى كواليسها ولم يفت جدتي ذات السبعين ربيعًا مشاهدة الدراما المرتبطة بالجريمة، فلقد وقع هذا الوجه الملائكي في حب مسلسل رَيَّا وسكينة، فهي تعشقه عشقًا لا ينتهي وهي على استعداد دائمًا لمشاهدته مائة مرة، حتى أنها قالت لي مرة: "دوري علي بديعة بنت رَيَّا واعملي معاها حوار صحفي".
جدتي ذات الملامح الأوروبية والتي كانت تلقب في شبابها بـ"مريم فخر الدين"، استغلت فترة تواجدها في مدينة الإسكندرية بصحبة والدتي الأسبوع الماضي وطلبت منها بإلحاح شديد زيارة بيت رَيَّا وسكينة بحي اللبان، فما كان من والدتي إلا أن اصطحبتها إلى الحي لزيارة المنزل، حيث قهوة بلدي في مدخل الشارع وبيت أغلقت نوافذه بالطوب من الداخل ونسجت العناكب خيوطها عليه منذ زمن بعيد، فيما عُلقت صور الضحايا على زواياه من الخارج مع إغلاق بابه بأقفال كبيرة.
روت لي والدتي كيف أنهم التقطوا الصور التذكارية هناك ثم عادوا، فلم تستغرق الزيارة دقائق معدودة، فما كان مني إلا أن سألتها بكم سعر التذكرة؟ فتعجبت وقالت لي: تذكرة إيه؟ قلت لها تذكرة الدخول أليس هذا مزارًا؟ فضحكت وقالت لي مفيش تذكرة ولا حاجة ده بيت مهجور ومقفول ولا يحيط به إلا بعض المحال التي اتخذت معظم أسمائها من شهرة السيدتين، ريا وسكينة، فهناك تجد فرن رَيَّا وسكينة وبوتيك رَيَّا وسكينة، وكأنهما شخصيتان تاريخيتان وبطلتان حقيقيتان.
تذكرت وهي تحكي لي زيارتي الأولى لرومانيا في الشتاء الماضي في يوم ميلادي، الرابع من مارس، حيث الثلوج والبرودة القاسية.. ذهبت برفقة صديقة رومانية قديمة إلى مدينة براشوف التي تشتهر بوجود قلعة "دراكولا"، مدينة أثرية رائعة في الجمال بها قلعة كبيرة أثرية غاية في الروعة ولكنها مرعبة إلى حد كبير.
عندما سألتها عن ماهية هذه القلعة ولماذا هي شهيرة ومرعبة بهذا الشكل قالت لي: إنها تسمى قلعة بران أو قصر دراكولا، تلك الشخصية الخيالية التي اخترعها الكاتب الأيرلندي الشهير برام ستوكر في العصر الفيكتوري عام 1897، وكانت الرواية والشخصية، آنذاك، الأكثر رعبًا في تاريخ الأساطير والقصص الخيالية، التي تحكي عن مصاص دماء يقضي على البشر من سكان القرية عندما يحل المساء.
وقتها راقت لي الفكرة أن أزور القلعة، فأنا مُولعة بالأساطير، وهناك عند مدخل القلعة تجد طريقًا طويلًا يأخذك إلى بوابات كبيرة وضخمة يحيطها نوافذ لبيع التذاكر من اليمين واليسار، هناك دفتر للتذاكر مقسم لجزأين، جزء للسائحين الأجانب، والجزء الآخر لأبناء البلد.. وبعد أن تشتري التذكرة تبدأ الرحلة حيث يستقبلك درج طويل شاهق على يمينه ويساره ملصقات وعبارات مثيرة للرعب من قبيل: "احذر التواجد وحدك في محيط القلعة عندما يحل المساء"، القلعة كبيرة كل طوابقها تحوي أثاثًا قديمًا لملوك عاشوا في هذا العصر وملابس خاصة بهم وصور لشخصية دراكولا مكتوب جانبها قصة الأسطورة الخالدة، وفي آخر القلعة يقع ممر يأخذك إلى بازار صغير تستطيع التبضع منه، حيث ملابس لشخصية دراكولا وأوشحة مرعبة وقداحات وميداليات تحمل شعار رومانيا وأشياء من هذا القبيل، مع كتيب يروي القصة الخيالية وتاريخ الملوك الذين سكنوا تلك القلعة.. أذكر أن تلك الزيارة كلفتني 50 ليو روماني أو أكثر، فما بالك بأشخاص حقيقيين ليسوا خياليين أو تم صنع أسطورتهم من قِبل مؤلف شهير، امرأتان أثارتا حيرة الشرطة المصرية ونُسجت حولهما الألغاز في المدينة الساحلية طوال عامين كاملين، استدرجتا فيهما 17 امرأة واستوليتا على مصوغاتهن الذهبية، بـ"ملاية لف" وبرقع وابتسامة زائفة وحميمية متقنة لخدعة ضحاياهما، فقد دفنتا 17 جثة تحت منزلهما وعاشتا كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته.. أظن أنها قصة مبهرة لأفواج السياح الأجانب لرؤية منزل ومتعلقات وملابس وصور ضحايا أشهر مجرمتين في تاريخ مصر، وأول سيدتين يصدر بحقهما حكم بالإعدام من المحاكم المصرية.
نحن نمتلك الكثير من الآثار ليست فقط الفرعونية، ولكنني لم أر في بلادي حتى الآن مَن يستغلها.