الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العالم يبكي آخر أساطير الغناء.. الفرنسي شارل أزنافور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان البيان الذي أصدره قصر الإليزيه أمس على صفحة طويلة ناعيا لفرنسا والعالم وفاة أسطورة الغناء شارل أزنافور كافيا للإمساك بالأبعاد المختلفة لهذه الشخصية الجبارة التي حطمت كل مقاييس النجاح في الحياة بشكل عام وفي الفن بشكل خاص؛ ذلك أن شارل أزنافور الذي ولد في باريس عام 1924 لأبوين هاربين من مذابح الأرمن على يد الأتراك، وعاشت الأسرة حياة بؤس وضنك شديدين، أفرزت هذا الفنان الذي تغطي أغانيه بالفرنسية ولغات العالم المختلفة أنحاء الكرة الأرضية وتجتذب لحفلاته من طوكيو إلى برلين إلى نيويورك عشرات الآلاف في كل مرة.
ونظرا للفقر المدقع الذي كان يعيش فيه الرجل فإنه لم يعرف للمدارس طريقا، ولم يحصل على أي شهادة، ومع هذا فقد كان هو السفير المعبر عن اللغة الفرنسية في أبهى حالاتها من القصائد التي كان يغنيها بلغة رفيعة، وكأنه كان أستاذًا للأدب الفرنسي في السوربون وإلى الحد الذي كانت تتجاوز فيه مبيعات قصائده المغناة المطبوعة في كتب مبيعات الأسطوانات ذاتها.
وعبر 70 عاما من الحياة الفنية كمغني أولا وممثل سينمائي ومسرحي كتب ولحن أزنافور نحو 1400 أغنية وعمل في أكثر من 80 فيلما، وباع أكثر من 180 مليون أسطوانة في أنحاء العالم.
شارل أزنافور ومصر
أثناء فرار عائلة أزنافور على سفينة من تركيا إلى فرنسا توقفت في الإسكندرية عام 1922 حتى تتمكن أمه من والدة أخته عايدة في عرض مدينة الإسكندرية. وعاش الرجل مرتبطا بالحضارة العربية ومعتبرا نفسه شرقيا قبل أي شيء، وقد تزوجت ابنته من جزائري مسلم، إلا أن أهم ما في القصة هو أن أزنافور حضر ليغني في مصر مع إديث بياف التي نطلق عليها في الشرق "أم كلثوم الغرب" وذلك في عام 1948، وغنى معها في اليخت الملكي الشهير "قاصد خير" ثم عاد أزنافور في التسعينيات وكان قد أصبح نجما عالميا ليغني للنخبة في نادي الجزيرة في القاهرة. 
ولم يغنِ أزنافور للجمهور المصري العريض إلا في السابع من يناير عام 2008 في أوبرا القاهرة.
وفي اليوم التالي في أوبرا الإسكندرية، وكان لي شرف تنظيم هاتين الحفلتين بالتعاون مع وزارتي السياحة والثقافة ورجال أعمال مصريين وفرنسيين ومنهم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي أعطى طائرته الخاصة لتنقلات الفنان داخل مصر.
ولعل قصة علاقة شارل أزنافور بأم كلثوم ليست معروفة تماما فقد كان هو الذي اقترح على الزعيم شارل ديجول إقامة حفل عربي كبير في باريس لإظهار تعاطف فرنسا مع العالم العرب بعد العدوان الإسرائيلي عام 1967 وافق الزعيم الفرنسي وأعطاه طائرة تقله إلى مصر مع برونو كوكاتريس مدير مسرح الأولمبيا وهو واحد من أعرق المسارح في العالم.
وبالفعل غنت أم كلثوم في المسرح الكبير، وكان ذلك الحفل الأسطورى المعروف.
من المقرر أن يقوم الرئيس الفرنسي بعمل جنازة قومية للراحل الكبير، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على احترام فرنسا للذين حملوا لغتها وحفروا موسيقاها في قلوب الملايين عبر العالم. يقول أندريه مونرو وزير الثقافة في الحديث عن القوة الناعمة لفرنسا:
"إن الثقافة هي المرادف المجازي للسياسة في أي دولة تريد أن تفرض نفسها على العالم".