يقول مصطفى محمود : " إن أردت أن تصنع الناس فعليك أن تصنع المجتمع أولا" ، حقًا فصناعة المجتمع هى صناعة ذلك المنتج الذى ليس على المصنع أن يحدد له تاريخ صلاحية ، نرى موجة " النوستالجيا " التى تتلون بها كل " بوستاتنا " على التواصل الاجتماعى والتى تظهر المفارقة بين مجتمع الخمسينيات ومجتمع اليوم . ولأنه كان مجتمعًا له ما له وعليه ما عليه ولكنه كان مجتمعًا جميلا سويًا ، نحن له حتى اذا كان مجتمعنا أوفر حظًا فى التكنولوجيا وأكثر تقدمًا ، على الرغم من أن الطبيعى والمعتاد أن يتطلع الانسان لذلك العهد المفعم بالتكنولوجيا لا العكس !
لذا فتغير ملامح المجتمع اليوم ليست تغييرًا ولكن استعادة شكل من أشكال المجتمع المصرى ليصح التعبير ، ولكن أى ملامح لابد من استعادتها اليوم؟
ربما أهمها على الاطلاق ؛ قبول الآخر وإذابة الحواجز التى نعنون بها الشخص الآخر فى معاملتنا اليومية وتوطيد العلاقات الإنسانية والمجتمعية وجعلها أكثر سواءً وأكثر دفعًا للمجتمع ولكى يتم ذلك على كل المؤسسات تكوين " توليفة تكنوقراط " من كل عناصر المجتمع وتجميعها فى نشاط ما أو عمل ما سويًا ممنهجًا وغير ممنهج حتى يكون الانخراط فى مهمة ما هو السبب فى إذابة أى عوائق لتقبل الآخر .
يأتى بعد ذلك فى الأهمية ؛ الذوق العام الذى لابد أن نستعيده مهما حدث ومهما صٌعبت الظروف ، فالذوق الجميل يمكن أن يُشكل بأقل الأمكانات ولكن احتلال الهم لخلايا العقل البشرى يجعل الانسان كائنًا رافضًا لتذوق أى وجه جمالى سواء فى المنزل أو العمل أو السيارة أو الشارع ، واستعادة ذلك الذوق ما هو الا تثبيت أقدام المواطن المصرى للانتماء والعطاء للوطن أكثر ، ولا أرى أن استعادة الذوق العام مهمة صعبة ولكنها مهملة ، فتشجيع وتحفيز بل مكافأة كل مواطن يضع لمسة جمالية فى الشارع هو أحد الطرق لاستعادة الذوقيات ، بالاضافة الى الأفلام القصيرة التوعوية فى الاعلام والمدارس عن الأداب العامة وأبسط أنواع الاتيكيت ، تشجيع السلع التجميلية للمرأة بأسعار قليلة لنشجعها لتعود ترى فى ذاتها كيانًا يستحق الاعتناء به والحفاظ على جماله ، ورفع أسعار كل سلعة تشوه الذوق المصرى بل منعها أن استطعنا !
ولعل أهمها اعادة تدوير لموسيقى الفن الجميل ومنع أى موسيقى لا ترقى أن تكون هكذا بل تٌحسب من وسائل التلوث السمعى وتجنيد الأذن المصرية لطبقات ونغمات غريبة عنا وشاذة .
وهنا يأتى فى المقام الثالث القوة الشرائية وهى ملمح تأصل وتجذر فى المجتمع المصرى والتى من الممكن تطويعها كالصلصال والتسلل من خلالها فمثلا طرح النباتات والزهور والأشجار وأدوات التجميل المنزلية والعامة بأسعار بسيطة تحفيزًا على شرائها ، حتى المنتجات الصحية فى المأكل والمشرب وتشجيع اقامة ساحات عامة صحية للرياضة مما يحسن من جودة حياة المواطن فيختفى ذلك الملمح الأليم الذى يظهر على وجوهنا جميعًا منشغلين بالأعباء طوال الوقت بأجساد هزيلة غير نشطة .
أما عن الملمح الادارى للدولة وهو الذى تعمل عليه الدولة بالفعل ليلا نهارًا ، ولكن لنا أن نساعد الدولة فى ذلك المنحى بالتخلى عن التعنت البيروقراطى الذى نمارسة كهواية فيسهل كل فرد ما أستطاع من إجراءات متعنتة دون كسر القواعد واللوائح التى باتت هى تكسرنا اليوم ! حتى السلوك بين المكأفاة لكل مبدع فى العمل الحكومى والمجازاة لكل معرقل ، يستطيع أن يشكل مجتمعًا بملامح جديدة تحمل أناقة الماضى وتكنولوجيا الحاضر فى وطن يستحق منا أن نجمل ملامحه التى تعكسها مائة مليون مرآة ؛ نحن ..