تاريخ الإدارة الأمريكية- مقارنة بعهد الرئيس ترامب- لم يسبق له التخلى عن كل «مساحيق التجميل» التى أخفت الكثير من تناقضات وازدواجية سياساته.. رجل المال والصفقات منذ بدء ولايته يروج لسياسة «أمريكا وأمنها القومى»، لذا لم يكن الإعلان عن انتهاء فكرة العولمة وتمرد ترامب على الفكر الذي ظلت أمريكا تتبناه لأكثر من ربع قرن مفاجأة خلال خطابه أمام جمعية الأمم المتحدة، فهو يتسق تماما مع ربط أُطر العلاقات الخارجية بما تحدده مصالح أمريكا الاقتصادية والأمنية. أمريكا استثمرت ورقة جماعة الإخوان على مدى عقود خلال صلة وطيدة ربطتهما، تحديدا مع ضمان متانة العلاقة بين الإخوان وإسرائيل فى صفقات «الأبواب المغلقة». شعارات القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى هى أبعد ما تكون عن جوهر اهتماماتهم.. مجرد إحدى السلع المعروضة فى متاجرهم المشبوهة. كما الحال مع هجومهم البائس على لقاءات الرئيس السيسى سواء مع ترامب أو نتانياهو، علما بأن زيارات السفيرة السابقة آن باترسون المتكررة إلى مكاتب المرشد وقادة الجماعة، وصورة الخطاب «العاطفى» من محمد مرسى إلى شيمون بيريز، لم تغب عن الذاكرة بعد.
نهم الإخوان للسلطة غيَب عنهم أن «مباركة» أمريكا سرقتهم الحكم فى مصر لا تعنى ربط الطرفين بعقد زواج كاثوليكى.. الجماعة مجرد ورقة من مئات الأوراق التى تخضع لحسابات الإدارات السياسية المتغيرة. سيطرة تنظيم الإخوان على قطاعات استثمارية، والمساجد، بالإضافة إلى عدد من المنظمات والمؤسسات التى مهما تنوعت مسمياتها وصيغ خطابها- تحديدا الموجهة إلى أمريكا وأوروبا- إلا أنها تتفق فى حقيقة أهدافها. كل هذا لا يفترض بالضرورة أن أمريكا لن تنحى الجماعة جانبا حين تضيق ذرعا بهم بعد استنفاد مصالحها من ورقة الإخوان، الأدلة بدأت منذ يوليو الماضى مع مساعى الحزب الجمهورى داخل الكونجرس، لإدراج جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب. منذ أيام ظهرت تسريبات إعلامية، كشف الأول عن تخطيط يعد له أهم مصادر القرار السياسى، مستشار الأمن القومى جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، لإدراج جماعة الأخوان كمنظمة إرهابية، بالتزامن مع كشف آخر عن اعتزام ترامب اتخاذ خطوات لحصار الجماعة، تمهيدا لإعلانها منظمة إرهابية، بالإضافة إلى وقف الشراكة الاقتصادية والتعاون بين الحكومة والمجموعات الأمريكية التابعة للإخوان، مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، والوكالة الإسلامية لأمريكا الشمالية. الأهم هو تقويض ما حدث فى عهد الرئيس السابق أوباما من نجاح عناصر إخوانية فى اختراق البيت الأبيض، ومنع جولات «التسول» التى اعتاد أفراد تنظيم الإخوان الدولى القيام بها على أبواب المؤسسات الهامة، سواء وزارة الخارجية، وكالة الأمن القومي أو الكونجرس.
التغلغل النشط للإخوان داخل المشهد الأمريكى عبر ماض طويل حفل بالصفقات مع شخصيات مؤثرة فى القرار الأمريكي.. للأسف قابله قصور فى مجال التواصل الإعلامي مع الرأى العام نتيجة عقود الترهل السياسي الذي عانت منه مصر، ونجحت فى التمرد عليه بعدما وجد الشعب نفسه شريكا فى أحداث سياسية حافلة منذ 2011، حتى الآن ما زالت قنوات التواصل المصرية سواء على نطاق الإعلام الرسمى أو الخاص، تفتقد الكثير من مقومات النجاح فى دحض أكاذيب الإخوان عن إقصائهم، وحقيقة ما جرى فى 30 يونيو. هيئة الاستعلامات –مثلا- ما زالت عاجزة عن كسر النمط البيروقراطي الذي يعيق دورها، إذ لم تبادر حتى بآلية لربط الحلقة المفقودة بين الكتابات سواء العربية أو المصرية التى تفند بموضوعية ومهنية ما حدث يوم 30 يونيو، وبين الإعلام الأمريكى المؤثر فى الرأى العام، عن طريق فتح قنوات التواصل التى تتيح نشر هذه الكتابات، ما يسهم بتعريف المواطن هناك حقيقة ما حدث ويحدث فى مصر.
الإدارات الأمريكية السابقة احتضنت مختلف التنظيمات الإرهابية –منها جماعة الإخوان- كنموذج لما زعمت أنه «الإسلام السياسى» خدمة لمصالحها، الآن أجبرت على مضض تقبل واقع سياسي مصري مختلف تماما يقوم على اُسس الواقعية، دبلوماسية التفاوض كحل للصراعات الطاحنة فى بعض دول المنطقة العربية.. مصر أعادت نسج علاقاتها الدولية على أسس الندية، استقلالية القرار، وتوافق المصالح المشتركة لترتقي عن التدني إلى ممارسات ميليشيا الجماعة من صفقات قذرة أو تسول كلمة رضا من مسئول أمريكى.. واقع قد لا يلائم الهوى الأمريكى، لكنه على المدى الطويل سيضمن لمصر دعم واستقرار دورها المؤثر سواء عربيا أو دوليا.
مراكز صنع القرار الأمريكي تزداد قناعة مع كل زيارة يقوم بها الرئيس السيسى، أن تنظيم الإخوان أصبح فعليا خارج المعادلة السياسية المصرية، بعدما جردته الإرادة الشعبية من كل الادعاءات التي اختار مسئولي إدارات سابقين تصديقها من نوعية جماعة «سلمية!»، «الأكثر تنظيما!»، «الأكثر شعبية داخل مصر!».