الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الشاعر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هو ابن عائلة عريقة ممتدة لها حضور فى المشهد النضالى والسياسى الليبى فمن حمل اسمهُ كان الحاكم الفعلى لجغرافيا مهمة فى الجنوب الليبى هى فزان فى القرن التاسع عشر، وقبلها بما يقارب القرن للعائلة مشيخة قبلية لما عرف عنها من شجاعة وحكمة ومواجهة لسلطتين عثمانية وإيطالية، فعند بداية الغزو الإيطالى لليبيا سنة 1911 تقدم أبناء من العائلة منخرطين فى حركة المقاومة، ومن أهم ما يذكر لهم مشاركتهم فى معركة القرضابية 1915، ومعركة الكفرة جنوب البلاد عام 1930، ثم المساهمة الفاعلة فى تأسيس الجيش 1940، ولبنات الدولة الليبية الحديثة 1952 م.

حامل ذلك الإرث الوطنى هو المناضل الشاعر عبدالجليل سيف النصر مواليد الفيوم بمصر فى 6 يونيو 1949 والذى رحل عنا فى سبتمبر 2011، ذاق مبكرا مرارة الاغتراب عن الوطن منذ اتخذت عائلته موقفا من حقبة الديكتاتورية التى جثمت على ليبيا 1969 م وقد زج ببعض أبنائها فى السجن وصودرت أملاك العائلة وضيق الخناق على حركة عملهم وتنقلهم وهو سلوك واجه به انقلاب سبتمبر أغلب رموز البلاد فى النظام الملكى مدنيين وعسكريين وبمحاكم شعبية وبجاهزية عقوبات تراوحت بين الإعدام والسجن المؤبد والإقامة الجبرية.

وقد وصلنى إضافة مُشرفة إلى مكتبتى ما تلقيته هدية من القاص والباحث فى التراث والموثق حسين نصيب المالكى وفى جهد يُعرف بقامة شعرية لها قيمتها ووزنها فى تاريخ التجربة الشعرية الشعبية الليبية، المُؤلف تحت عنوان «عبدالجليل سيف النصر. حياته وشعره» وقد انشغل المالكى بجمع قصائد الشاعر الراحل والتى استطاع الحصول عليها من مصادر تنوعت منها عائلة وأصدقاء الشاعر الراحل ومواقع الإنترنت، والأهم هو ما حظى به من مقابلة شخصية معه، فقد نزل الشاعر الراحل لأول مرة إبان انطلاق ثورة فبراير 2011، إذ كان شاعر ميدان الثورة فى بنغازى ووقف بشجاعة ملقيا قصيدته التى رد بها على نعوت وتوصيفات بذيئة خرج بها القذافى ضد كل من ثاروا عليه، وسيعرفنا المالكى فى الكتاب الوثيقة أن الشاعر كان من الطلبة النشطين منذ السبعينيات وهو طالب بكلية الحقوق بالقاهرة، وعن شغفه واهتمامه بمتابعة الشعراء الشعبيين بالبلاد من أمثال حسن لقطع، وخالد أرميلة، وأحمد قنابة وغيرهم. وكانت تجربته الشعرية نشرا وباسم مستعار «عبدالكريم عطية» بدأت مع الثمانينيات مع بروز حركة المعارضة الليبية بالخارج والتي عنت بالجانب الأدبي والثقافي ونشرت قصائده وتداولت سرا وعلنا عبر تسجيلها صوتا (كاسيت) وعبر مجلة الإنقاذ وفى مطويات ونشرات ورقية منفصلة، ومع توفر الوسائط التقنية قام محبوه ومتابعوه بتوسيع دائرة تداولها بصفحات مواقع الفيس والتويتر واليوتيوب، وقد جرى ترديد مقاطع من نصوصه وإنتاجه الذى وصل إلى 40 قصيدة واشتهرت مقاطع منها: إن ريت الكلام تقول فيه عداله وإن ريت شعبنا تصعب عليك أحواله، ومقطع آخر يقول فيه: ما زلت نا هو نا عنوان الصمود ورفض للطغاة سبيل عادتى ما زال

بالكتاب شهادات ممن عرفوا الشاعر وقاربوه، كما توثيق لحدث استقباله فى عودته الأولى للوطن، وتكريمه ببنغازى وفى عدة مدن ليبية أخرى، وللحوارات التى جرت معه والمرثيات التى سطرت فى وداعه الأليم، وقد أورد المالكى مقابلته لاحقا لمحمد ابن الشاعر فى القاهرة والذى حدثه عن بيتهم الذى يستقبل أهل الوطن ويجد فى السؤال عنهم أثناء تفقدهم، خصلة الشاعر كرما وتواصلا صادقا، كما وعلاقة والده بالكتاب الرفيق الدائم فى البيت وأثناء السفر، وعن وصيته الدائمة لهم ألا يعادوا أحدا ويعترفوا بأخطائهم فالاعتراف بالخطأ فضيلة

الأديب حسين المالكى يحقق من خلال هذا الإصدار أمنية الشاعر عبدالجليل سيف النصر فى جمع قصائده وقد وافته المنية قبل أن يتحقق ذلك وأن يرى عصير عمره ونتاج تجربته الشعرية التى عبر فيها عن أحاسيس وآلام ومعاناة الإنسان فى ليبيا بدت كمنشورات سياسية بلغة رصينة ومفردات جزلة معبرة بجماليات تتخذ من الصورة والحدث مجالا للنسج المحكم شعريا، نصوصه الحاملة لهموم الغربة والحنين للوطن كما شعره القومي والإنساني، وسنلحظ فى مراجعتنا لما وثقه المالكى من نصوص والتى حضرت موثقة بمناسباتها وغاب عن بعضها تاريخ قولها، غياب أى تغزل وعاطفة بذلها ومنحها عبدالجليل لغير الوطن وهمومه!.

كتاب مرجعى لكل عاشق للشعر الشعبى ودارس باحث فيه، يوثق لحياة شاعر وإن جاءت مقتضبة بلا تفاصيل لوقائع تمثل مرحلة غربته ونشاطه المعارض، وهو الشاعر الذي سجل علامة فارقة فى تاريخ الشعر الشعبي الليبي، شعرية النضال والمعارضة الوطنية التى لم يحد عنها فهو شاعر المعارضة وشاعر الثورة، شعريتهُ التى لم يُقدمها تكسبا أو طمعا أو تزلفا سواء عند اغترابه أو أشهر عودته حين رأى تحقق حلمه فى ثورة فبراير 2011 وقد غادرنا تاركا رسالته بل وصيته لشعبه التى نضحت بها أغلب نصوصه