وسط زخم هائل من الإنجازات والمبادرات والمشروعات والبرامج، يحتفل المجلس العربى للطفولة والتنمية ومقره القاهرة فى شهر أكتوبر المقبل بمرور ٣٠ عاما على إنشائه، حيث نجح على مدى ثلاثة عقود فى أن يكون منظمة رائدة في مجال حقوق الطفل في الوطن العربي، ومرجعية للمؤسسات والأفراد والأسر تساعدهم فى أداء مهمة إعداد طفل عربي قادر على المشاركة في تنمية مجتمعه، والتعامل مع المتغيرات العالمية المتسارعة، وبحكم مكانته الإقليمية وتوجهاته تجاه الطفل العربي اكتسب مصداقية وثقة بين الأوساط المتخصصة لما يملكه من مقومات الشفافية والالتزام والحيادية بعيدا عن أية أجندات خاصة أو توجهات سياسية.
وتتزامن مناسبة احتفال المجلس بعيد ميلاده الثلاثين مع احتضان القاهرة على مدى يومى ١٤،١٣ أكتوبر المقبل لمنتدى المجتمع المدنى للطفولة الخامس والذى ينظمه المجلس بالتعاون مع إدارة المرأة والأسرة بجامعة الدول العربية وبرنامج الخليج العربى للتنمية ( أجفند )، تحت شعار " التنشئة فى عالم متغير..عقل جديد لإنسان جديد ومجتمع جديد"، والهادف إلى إطلاق نموذج يمكن تطبيقه فى العالم العربى لتنشئة الطفل العربي في ظل عالم متغير، وذلك بناء على معايير حقوق الطفل ونظريات التنشئة الحديثة.
وفيما يعد منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة الذى أنطلقت أولى دوراته فى مطلع الألفية الثالثة، أحد آليات متابعة مسار العمل العربي من أجل الطفولة، وملتقى تنموي للربط بين قضايا الطفولة والحقوق في إطار شراكة حقيقية، كان تأسيس المجلس العربى للطفولة والتنمية كمنظمة إنمائية عربية غير حكومية ذات شخصية اعتبارية تعمل في مجال الطفولة، هو صوت الطفل العربى فى المحافل الإقليمية والعالمية، ومنبره للتعبير عن مشكلاته وقضاياه.
وتم تأسيس المجلس بناء على مبادرة من الأمير طلال بن عبد العزيز، ترجمت إلى توصية صدرت من مؤتمر الطفولة والتنمية الذى عقد تحت رعاية جامعة الدول العربية فى عام ١٩٨٦ بتونس، وعقد الإجتماع التأسيسي للمجلس فى العاصمة الأردنية عمان، بحضور نخبة من كبار الشخصيات والخبراء والمفكرين والإعلاميين والمهتمين بشئون الطفولة والتنمية، وأصر الأمير طلال على إختيار القاهرة مقرا له لمكانتها المتميزة فى نفسه، وبدأ المجلس مهام عمله تحت رئاسته منذ ذلك الوقت، وجاء نموذج تنشئة الطفل العربى فى محور ارتكاز عمله منذ السنوات الأولى لتأسيسه، حيث وضع الجوانب الحمائية والتنموية والثقافية والترويحية للطفل العربي على نفس القدر من الأهمية والأولوية، فى التبنى والتنفيذ.
ونجح المجلس على مدى سنوات مسيرته الحافلة بالإنشطة والإنجازات فى ملء الفراغ بين الجهات التشريعية والتخطيطية والجهات التنفيذية العاملة في مجالات الطفولة في العالم العربي، خاصة المجالس العليا واللجان الوطنية للطفولة ومنظمات المجتمع المدني، وذلك من خلال عقد اللقاءات الإقليمية وإصدار الأدلة التدريبية والإرشادية، وعقد ورش العمل والدورات التدريبية وصولا إلى فهم مشترك لقضايا الطفولة في العالم العربي ٠
واستمرت بنفس قوة الدفع مسيرة المجلس بمساندة وتشجيع رئيسه وبدعم تنموى من "أجفند"، استمرت داعمة للطفولة العربية ابتداءا من خطوة تنظيم علاقاته بدولة المقر عبر إتفاقية خاصة تحدد شخصيته ووضعه القانوني وغير ذلك من الأمور، إلى إنشاء جائزة الملك عبد العزيز لدعم البحوث المتعلقة بالطفولة أحدث روافد أنشطة المجلس، وذلك بفضل الحرص على التجديد والتحديث والاستفادة من التجارب الدولية المشابهة فى حل القضايا والمشكلات الملحة التى وضعت فى بؤرة أنشطته ومشروعاته وبرامجه ٠
واستنادا إلى خبراته المتراكمة عبر ثلاثين عاما، واتساقا مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام 1989، وتحقيقا لأهداف التنمية المستدامة (٢٠١٥/ ٢٠٣٠ ) جاءت رؤية المجلس في سياقات منطقية متكاملة في نسيج واحد تحت شعار " تربية الأمل... تنمية وعي الطفل وإيقاظ ذاته المبدعة، وإطلاق طاقاته الإنسانية الخلاقة، وإنفاذ حقوقه، وتأكيد حمايته، وتنمية قدراته، للمشاركة في تحقيق مواطنة إيجابية مستنيرة"٠
ويشرف المجلس برئاسة شخصية إنسانية تتمتع بسمعة عالمية وإقليمية في مجالات التنمية، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على صورته أمام المجتمع العربي والدولي، ويمتلك المجلس وضعية قانونية قوية، ويتمتع بالصفة الدبلوماسية، وتنظم علاقاته مع دولة المقر اتفاقية مع وزارة الخارجية المصرية، بما يمنحه العديد من التيسيرات والمزايا والحصانات، ويعتبر المنظمة الإقليمية الوحيدة التي تملك مقومات تمثيل العالم العربي في المحافل الدولية والإقليمية في مجالات الطفولة، لما يتمتع به من مصداقية وقبول على المستويين العربي والدولي ولعلاقته البناءة مع جامعة الدول العربية ومنظماتها المتخصصة وكذا منظمات الأمم المتحدة التي أسفرت عن العديد من البرامج المشتركة.
وقام المجلس بالعديد من الجهود والفعاليات الرامية إلى حماية ونماء الطفل العربي ضمانا لمستقبل أفضل له، وانطلاقا من تلك الرؤية فإن المجلس وما يقوم به من مشروعات وبرامج وأنشطة وفعاليات يعد أحد الآليات الرامية إلى دعم تنفيذ حقوق الطفل المنبثقة من الاتفاقيات العربية والدولية المعنية بذلك، حيث يعمل المجلس على تهيئة بيئة عربية داعمة لحقوق الطفل في التنمية والحماية والمشاركة والدمج، في إطار الأسرة والمجتمع من خلال التعاون والشراكة الفاعلة مع المؤسسات الأهلية، والحكومية، والإقليمية، والدولية، حتى يشب الطفل قادرا على المشاركة والتفاعل الايجابي مع الحياة، متفهما لغيره، ومحبا لوطنه.
وتمكن المجلس على مدى سنوات خبرته من تكوين حصيلة تراكمية تتكون من خبراء وأخصائيين وغيرهما، وشبكة علاقات قوية على المستوى الدولي والإقليمي والوطني، ومنحته شفافين مصادر تمويله قوة لاكتساب شراكات على كافة المستويات.
أهداف إستراتيجية محددة انبثق منها مجالات عمل المجلس الأربع (تنمية، حماية، مشاركة، دمج )، وهدفه يتمثل فى تشجيع وتبنى وتنمية الأفكار والدراسات والمشاريع والتشريعات والسياسات الهادفة إلى تفعيل حقوق الطفل، ودمجها ضمن خطط ومشاريع التنمية، من خلال أربع قنوات رئيسية هى توفير البيانات والمعلومات وتنمية المعرفة المتخصصة في قضايا حقوق الطفل العربي، وتبادلها مع المراكز البحثية والمؤسسات المعنية بهذا الشأن، وتوعية وتعبئة الرأي العام العربي لدعم حقوق الطفل بالتعاون والتنسيق مع وسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات التنموية، وبناء شراكات وشبكات فاعلة مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية، لإيجاد مناصرين وكيانات منظمة وتبنى تشريعات وسياسات داعمة لحقوق الطفل، وتوفير الدعم الفني وبناء قدرات العاملين بمجال الطفولة من المؤسسات الحكومية، والأهلية والإعلاميين، والأسر، وصانعي القرارات والسياسات والتشريعات.
محطات ثلاث يمكن تقسيم مسيرة المجلس إليها، وكل منها يمثل عقدا كاملا أو ما يقرب، المحطة الأولى ( من عام ١٩٨٧ إلى عام ٢٠٠٠ ) وشملت تلك المرحلة التآسيس، وإنطلاق باكورة عمل المجلس بتنظيم "الحلقة الدراسية نحو ستقبل ثقافي أفضل للطفل العربي"، أعقبها إقامة "حلقة رياض الاطفال في الوطن العربي بين الواقع والمستقبل"، وإطلاق أول تقرير احصائي حول واقع الطفل العربي، وإصدار مجلة المختار للصغار، وبدء رعاية ودعم مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال، وتمشيا مع الظروف العربية الراهنة فى ذلك الوقت نظم المجلس حلقة حول " مواجهة اثار حرب الخليج على الأطفال العرب"، وحلقة "الرعاية النهارية البديلة للأطفال"، وتم البدء في عقد سلسلة من الدورات التدريبية في إطار مشروع التطوير الإداري والبناء المؤسسي للجمعيات الأهلية العربية، وبدء مشروع التصدي لظاهرة أطفال الشوارع.
وفى عام 1992 بدأ تنفيذ مشروع البرنامج المنزلي لتدريب أمهات الأطفال المعاقين، ومشروع مكافحة عمل الأطفال، وبدء دعم جمعية قرية الأمل لأطفال الشوارع، وإطلاق أول دراسة إقليمية حول عمل الاطفال، ومشروعى دعم المجالس العليا واللجان الوطنية للطفولة في الدول العربية، وتدريب الباحثين الشبان في مجالات الطفولة، واستضافة اجتماع مؤسسة مينتور الدولية بحضور ملكة السويد وملكة الأردن، وتدشين مشروع الشخصية الكرتونية العربية، وتنظيم مسابقة للأطفال فى إطار مشروع عربى لتنمية ثقافة الطفل ٠
وحفلت المحطة الثانية التى أمتدت من عام ٢٠٠٠ إلى عام ٢٠١٠ بالعديد من الفاعليات البارزة ومنها، إقامة منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة بالرباط، وعقد الحلقة النقاشية "ثقافة الطفل العربي في الألفية الثالثة"، والبدء في إعداد أول استراتيجية عربية لأطفال الشوارع، وتنفيذ مشروعات حول حقوق الطفل وأطفال الشوارع وعمل الأطفال، وفى منتصف العقد تم إقامة منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة الثاني، ومؤتمر الطفل العربي في مهب التأثيرات الثقافية، والبدء في حملة مناهضة العنف ضد الأطفال، إصدار أول موسوعة عربية لمجلات الأطفال
ثم بدأ المجلس فى تنفيذ مشروع رائد لتدريب الإعلاميين العاملين في مجال أطفال الشوارع ومكافحة المخدرات والتوعية بمرض الايدز، وعلى إثر نجاحه تبنى مشروع آخر تدريب الإعلاميين لمناهضة العنف ضد الأطفال ونشر ثقافة حقوق الطفل، ونظم مؤتمر لغة الطفل العربي في عصر العولمة، وتم إعداد دراسة حول مدى توافر المعلومات الخاصة بقضايا الطفولة لدى منظمات المجتمع المدني العربي العاملة في مجال الطفولة تمهيدا لتنفيذ مشروع الأطفال فاقدي السند، أعقبه عقد مؤتمر واجب المجتمع تجاه الطفل المعاق " استراتيجية تنمية لغة الطفل"، واختتم العقد الثانى من محطات انجازات المجلس العربى للطفولة والتنمية بإقامة منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة الثالث ومنتدى الأطفال العرب، وتنفيذ مشروع العنف ضد ذوي الإعاقة، واعداد دليل سياسات الحماية، وإنطلاق مشروع المرصد الإعلامي لحقوق الطفل العربي.
فيما جاءت ابرز الإنجازات فى العقد الثالث لمسيرة المجلس التى بدأت فى عام 2011 مستمرة حتى الآن (فى عام 2018 ) بإصدار أول استراتيجية لعمل المجلس (2011- 2013)، وثم اصدر الإستراتيجية الثانية للعمل على مدى اعوام من (2014 إلى 2016)، وتمتد سنوات تنفيذ الاستراتيجية الثالثة التى بدأ فى العام الماضى (2017 ) حتى عام 2020، واحتضنت الاستراتيجيات الثالث 6 مشروعات متخصصة حملت عناوين، أنا اخترت الأمل المنفذ منذ عام 2014 وحتى الآن، ودمج وتأهيل الأطفال ذوي الإعاقة، وتنمية الطفولة المبكرة، وتنمية المعرفة بسياسات تنشئة الطفل العربي، والمرصد الإعلامي لحقوق الطفل العربي، ومشروع سياسات الحماية إلى جانب المشاركة فى تنظيم منتدى المجتمع المدني العربي للطفولة، إطلاق جائزة الملك عبد العزيز للبحوث العلمية في قضايا الطفولة والتنمية في الوطن العربي، وتأتي الدورة الأولى للجائزة (2017 - 2018) حول "التنشئة على المواطنة".
وتفعيلا لتوصيات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة حول "العنف ضد الأطفال"، تبنى المجلس مشروعا عربيا يهدف إلى كسر حاجز الصمت في العالم العربي وإثارة الانتباه حول قضية العنف الممارس ضد الأطفال، وذلك من خلال رفع كفاءة الكوادر الإعلامية واستثمار وسائل الإعلام في تعريف الرأي العام بالعنف الموجه ضد الأطفال. وجاءت أولى خطوات تنفيذ هذا المشروع بعقد "ورشة عمل إقليمية للإعلاميين العرب" تحت شعار "معا لوقف العنف ضد الأطفال" في يونيو 2007 بالقاهرة، وتم خلالها الإعلان عن تأسيس شبكة الإعلاميين العرب لمناهضة العنف ضد الأطفال، وتم اختيار المجلس منسق لعمل الشبكة، كما تم خلال الورشة أيضا وضع "ميثاق شرف للإعلاميين العرب لمناهضة العنف ضد الأطفال". ويهدف المجلس في المرحلة القادمة إلى تفعيل الشبكة وتوسيع دائرة العضوية في الشبكة وبناء قدرات الكوادر الإعلامية والمساهمة في إعداد وبث برامج إعلامية بمشاركة الأطفال ومنظمات المجتمع المدني لإيقاف العنف ضد الأطفال.
ونتيجة لجهوده في هذا المجال، تم اختيار المجلس ممثلا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الاستشاري للمنظمات غير الحكومية الذي تم تأسيسه مؤخرا بهدف تشجيع ودعم اشتراك منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لمتابعة كسب التأييد في قضية مناهضة العنف ضد الأطفال مع الحكومات ومنظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات لتنفيذ توصيات دراسة الأمين العام للأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال، إلى جانب كسب التأييد لإنشاء منصب ممثل خاص للأمين العام حول العنف ضد الأطفال والعمل مع الممثل الخاص عند تعيينه، حيث تم التعاون والتنسيق الدائم مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن العنف ضد الأطفال السيدة مارتا سانتوس بايس، ودعوتها لحضور فعاليات المنتدى الثالث وتنظيم عدد من الجلسات الخاصة مع المجالس العليا واللجان الوطنية للطفولة في الدول العربية والإعلاميين والمفكرين، إضافة إلى جلسة حوار خاص مع الأطفال.