الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السحر والأعمال والشعوذة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعيدًا عن النظرة الدينية المحرمة لاستخدام السحر والأعمال والتنجيم والتى وصلت إلى حد تكفير من يذهب إلى الساحر إلا أن هناك من تحايل على هذا الأمر فانتهى إلى ممارسته من قبل بعض القساوسة والشيوخ بحجة إخراج الجن من الجسد، وإبطال مفعول السحر، والواقع أن السحر من أول الأمور الذى اهتم بها الإنسان، ولجأ إليها لتنفيذ رغباته فى التحكم بمصائر الآخرين وفق هواه، وذلك باستخدام وتسخير قوى غيبية قاهرة تستطيع السيطرة على معظم الكائنات بما فى ذلك البشر، ولهذا فقد مارسه الإنسان فى سائر العصور ومختلف الحضارات والمجتمعات القديمة والحديثة، فقد انتشر استخدام السحر فى الهند القديمة وفارس وبابل وقد جاء فى القرآن الكريم «واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه» (البقرة 102)، وجاء فى القران الكريم أيضًا «ومن شر النفاثات فى العقد» والمقصود بالنفاثات فى العقد الساحرات اللواتى يعقدن فى سحرهن وينفثن فيه، ولولا أن السحر حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه، والسحر كما ذكرنا ليس قاصرًا على أمة بعينها، فقد عرفته أوروبا وانتشر فيها إبان العصور الوسطى، وفى القرن السابع عشر جرت أكبر محاكمة عرفها التاريخ لأهل قرية أمريكية تدعى (سالم) كان معظم سكانها يعملون بالسحر، فتم الحكم بالإعدام على كثير منهم، وقد خلد الكاتب الأمريكى آرثر ميللر هذه القرية فى مسرحيته الشهيرة «ساحرات سالم»، وفى اليهودية كثر الحديث عن «الكابالا» باعتباره أخطر أنواع السحر والذى يسميه البعض السحر الأسود، وهو يعتمد على أرقام ورموز من شأنها تسخير الجن لتحويل مصائر البشر حسب النجوم وحركة الأرض والكواكب، والكابالا هو كتاب جمع كل أسرار السحر الذى كان موجودًا قبل التوراة، فمعنى الكابالا أى الذى كان (قبل) التوراة، ومن الثابت تاريخيًا أن السحر ظل منتشرًا فى أرجاء العالم حتى أفاقت الدنيا من الخرافات والأساطير مع بداية عصر النهضة، حيث حل التفسير العلمى للأشياء محل الكثير من المورثات الخرافية، وقد ساهم التطور الصناعى والعلمى فى القضاء على الممارسات السحرية القديمة، وكان لعلم النفس دوره الكبير فى إنهاء لجوء الناس لأعمال السحر وذلك فى المجتمعات والبلدان المتقدمة، ليصبح السحر من نصيبنا نحن وسكان دول العالم الثالث والبلدان المتأخرة، وليس غريبًا أن تجد ولعًا بين المصريين والعرب والأفارقة للسحر، وهناك من يدفع آلاف الدولارات من أجل الذهاب لساحر أو ساحرة، وأصبحت إعلانات السحر تطاردنا عبر شاشات الفضائيات، وبها أرقام هواتف السحرة، حيث يمكن للمرء التواصل معهم مباشرة من خلال صفحاتهم على فيسبوك وتويتر، وكنت أتصور أن الجهلاء وحدهم هم الذين يطرقون أبواب السحرة فإذ بفنانين ومثقفين ورياضيين وسياسيين أيضًا، وقد ذكر الصحفى الكبير عادل حمودة فى كتابه حكومات غرف النوم أن رئيسًا سابقًا لإحدى الدول العربية أنفق أموالًا طائلة على السحرة والدجالين من أجل أن ينجب طفلًا، فقد حرم هذا الرئيس من نعمة الإنجاب، ولم يستطع السحرة أن يمنحوه ابنًا، كما كان يتمنى، وثمة فنانة اتهمت أخرى بالسحر لها، وأبلغت الشرطة باسم الساحر المغربى الذى جاء القاهرة على نفقة الفنانة الأخرى، وهناك لاعب كرة قدم يسافر إلى ساحر بإحدى المحافظات ليعطيه أحجبة تمنع هزيمة فريقه، أما الروايات الأدبية الحديثة التى تتناول فى أحداثها أعمال السحر فقد لاقت نجاحًا منقطع النظير بين القراء خاصة الشباب وأذكر هنا رواية الفيل الأزرق لأحمد مراد، وفى الأسبوع الماضى تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى صورًا لأحد المقابر بمحافظة الشرقية قرر أصحابها نقل الرفات التى بها إلى مقبرة أخرى جديدة، فإذا بالمفاجأة الكبرى، قد عثروا على عشرات من الأعمال والأسحار والصور والتى تحوى بعض الطلاسم والأرقام والرسومات، وفيها أجعل فلانًا يطلق فلانة أو أوقف الرزق وامنعه عن فلان أو أصب فلانًا بالشلل والفقر، أو أجعل فلانة تكره فلانًا وتراه قردًا، وهذا كله إنما يدل على أمرين، الأول: إننا كمجتمع نعانى من ردة ثقافية كبيرة ونستبدل التفكير العلمى بمورثات نبذتها المجتمعات الأخرى فتقدمت وصارت الأقوى فى كل شيء، والثاني: أنه يجب علينا مواجهة أنفسنا بحقيقة أننا لم نعد شعبًا متدينًا بطبعه بل صرنا نكره بعضنا البعض ونتمنى الأذى وزوال النعمة عن الآخرين ودمارهم، أو بالأحرى صرنا أشرارًا فلجأنا إلى السحر كسلاح قاتل وهالك دون مسئولية جنائية، وأظن أن الردة الثقافية والبغض اللذان ملآ القلوب يحتاجان وقفة من أجهزة الدولة خاصة وزارتى الثقافة والتعليم، وذلك إذا أردنا الحفاظ على وحدة هذا الشعب وأردنا الانطلاق إلى نهضة علمية شاملة، وعلى الإعلام أن يقوم بدوره الوطنى لا تسمح القنوات بمرور الإعلانات الخاصة بجلب الحبيب وفك الأعمال والسحر ولا تسمح كذلك باستضافة الدجالين والمنجمين، وأن تعطى مساحة للبرامج العلمية والثقافية.