إذا عرفنا الهوية بالسمات الخاصة التى تشير إلى شخصية كل فرد، وعرفناها أيضًا، بالسمات الاجتماعية والإنسانية، التى تميز مجموعة من الأشخاص فى مكان يتمتعون فيه بنفس الحقوق وتسرى عليهم نفس الأحكام، نكون قد اقتربنا من علاقة الفرد بمجتمعه وثقافته وملامحها، ومفهوم الهوية عند إيرك إريكسون، التى تتمثل فى الشعور الباطن بالتماثل، الذى يستمر رغم المتغيرات الخارجية. وترجع إلى عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال، ولا تتوقف عند سن معينة، كما قال فرويد، بل تمتد لأن الطفل كائن متغير يعيش فى عالم ديناميكى متغير تحكمه مواقف ثقافية كل يوم وتحل مشاكله فى إطارها وتؤثر فيها، وتنمو معها الهوية من مرحلة إلى أخرى وكل مرحلة تؤثر فى المرحلة التالية لها. ونظرًا لتطور وسائل الاتصالات ونظرية أثر الفراشة ينبغى علينا جميعًا أن ننتبه إلى هويتنا، ونعتنى بها فى محاولة دؤوبة لتماسكها لتمضى فى الحياة فى توازٍ مع المستحدثات، التى تجرها علينا العولمة. وبذلك لا نذوب فى ثقافات أخرى ولاتتآكل أرواحنا فيسهل اختراقنا وتحطيمنا كمجتمع. لعلنا نتذكر جميعًا فتاوى التحريم للاحتفال بشم النسيم وتحريم تهنئة أخوتنا المسيحيين وتغطية التماثيل وغيرها من الفتاوى الشاذة كرضاع الكبير وغيرها. رأينا وسمعنا ما استفز مشاعرنا كمصريين، وما لم يكن فينا أبدًا وما لم نسمع به حتى فى حكايات الجدات.. فماذا حدث؟ هل تضافرت الهجرة إلى البلاد العربية مع تبوير الأراضى الزراعية مع تجريف هويتنا الثقافية بتؤدة، جنينا ثمارها بعد عقود؟ هل غابت ثقافة الجماعة الشعبية تمامًا وانهزمت أمام كل ماهو جديد فنسينا ملامحنا الخاصة؟ سماتنا التى تميزنا عن غيرنا وتحفظ خصوصيتنا فنسينا صباح الخير وصباح النور ويسعد صباحك لتصبح فقط السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هى التحية الوحيدة الرسمية ومادونها هو المستهجن، بل والمرفوض بدرجة تجعل من تقول له: صباح الخير. يرد عليك بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويزيد عليها نصيحة واستهجانًا فيكمل: اسمها سلامو عليكم يا ستى صباح الخير إيه بس؟! أنا مسلمة وبالطبع لست ضد السلام كتحية استخدمها، كما استخدم غيرها، وبالطبع استمرت تحياتى فى تنوعها الذى أحبه. لكن حجم الرفض وطاقة النفور المشفر فى رد تحية الصباح هو ما يؤرقنى، حينما يصل إلى درجة تجعلك تفكر أنك قد ارتكبت اثمًا بالفعل، حينما تخرج عن نطاق ثقافة الآخر، الذى يقيمك لدرجة قد تجعله يفرض بالقوة ثقافته عليك ويلغى ثقافتك. إننى أؤمن بالتجاور، بأطياف الاختلاف التى لا تصطدم مع الأديان. يؤرقنى مثلا تراجع جزء من هويتنا وثقافتنا كاحتفالات السبوع فى مقابل العقيقة كخيار وحيد. احتفالنا الفرعونى، الذى لا يوجد بأى دولة أخرى. دقات الهون برجاتك الشموع وفرح الأطفال، اسمع كلام أمك والحبوب السبعة محاصيل الخير التى ترش فى البيت كله. فرح الأطفال.. والحق أقول إن عائلتى تحتفل بالاثنين، وهو ما أراه أنا توازنًا واعتدالًا قوامه حرية شخصية لا تلغى الآخر ولا تحقره. يؤرقنى تضليل العامة من البسطاء وإشاعة أن شم النسيم من الأعياد المسيحية، وهو عيد فرعونى لنا جميعا فى اليوم التالى لعيد القيامة. كيف يعرف البسطاء أن الكنيسة تتبع التقويم النجمى الفرعونى وهكذا يكون يوم الإثنين التالى دائمًا لأحد القيامة؟ بل ربما لا يعرفون مطلقا أن كلمة قبطى تعنى «مصرى». كل من يتأمل بهدوء ما جرى، قد يتفق معى تمامًا فيما قلت، أو يتفق بدرجة، أو يختلف قليلًا، لكنه أبدًا لا يستطيع أن ينكره. ولذا أتمنى أن ننتبه جميعًا، نتحد فى محاولة لاستعادة ما فقدناه من أمور تتخلل كل ما سبق من رمزيات شعبية، أعنى الطاقة الجينية المختزنة من آلاف السنين وما بها من شيم التسامح والمشاركة والمرح والفرح والروح الطيعة التى تستوعب الآخر، وتنتهز فرصة العيد لتنهى خلافات أو تجبر خاطرًا. أتمنى أن يعرف أطفالنا أسماء شهور السنة القبطية التى لا يعرفون عنها شيئًا السنة التى ما زلنا نزرع وفق تواريخها ويتحدد مناخنا بشهورها. علموا أولادكم أنها تبدأ فى 11 سبتمبر من كل عام وأن شهورها توت-بابه-هاتور-كيهك-طوبة-أمشير-برمهات برموده -بشنس-بؤونة-أبيب-مسرى-النسئ. علموهم أن المسلم والمسيحى يصليان لله هذا فى مسجد وذاك فى كنيسة علموهم أن النبى أوصى خيرًا ومن أذاهم فقد أذاه واختاروا من الآيات ما يبشر ولا ينفر، ما يقرب ولا يفرق. علموهم أن لدينا شيخ الجامع ولديهم الأب القسيس فى الكنيسة وأن لديهم صلاة الأحد ولدينا الجمعة وأن بالكنيسة أيضًا منبرًا. علومهم أننا جميعًا واحد. نفدى نفس الأرض وأن جيشها لا يفرق بينهم. علموهم أن مساحة الرضا والسماح والطيبة فى قلب المصرى، قادرة على التوهج والعطاء، والاستيعاب والفهم وحماية نفسها بنفسها طالما تشرق الشمس. لأن من شب على شىء شاب عليه ومن ربى على الفهم الصحيح، واستقرت لديه ثقافته لا يتم اختراقه أو اختراق ثوابته بسهولة.
آراء حرة
معنى أن تكون مصريًا
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق