تصريحات حازم الببلاوى رئيس الوزراء يوم الخميس الفائت بشأن تسجيلات النشطاء التى أشاعها وأذاعها الإعلامى الكبير عبدالرحيم علي فى برنامج الصندوق الأسود بقناة القاهرة والناس، تحتاج إلى وقفة لأنها أخطر من أن نقبلها بحرفيتها وعلى النحو الذي تلفظ به الببلاوى وخلاص، ومن هنا يحسن بى أن أوجز مجموعة من المعانى فى التعليق عليها بغية ضبط الخطاب العام، ومحاصرة ترهله، أو تحول الأغاليط إلى أمر واقع، أو إلى حتمية ينبغى علينا قبولها.
حرص حازم الببلاوى فى تصريحاته التى أعقبت اجتماع مجلس الوزراء المذكور أن يؤكد على "أن الدولة حريصة على حرمة الحياة الخاصة وترفض التنصت على الأفراد وتحمى الحياة الخاصة للأفراد"، وهو ما رافقه اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية بتصريح يضغط على "عدم وجود خصومة مع القوى الثورية سواء 6 ابريل أو غيرها لأن الداخلية لا تريد أن تدخل فى خصومة مع أحد".. والحقيقة أن رغبة تعززت عندى فى رفض ذلك الخطاب الحكومي سواء على مستوى رئيس مجلس الوزراء أو وزير الداخلية، وإن كنت التمس بعض العذر لوزير الداخلية حين يخرج من مسار التصريحات الفنية الأمنية، ويقتحم مسار تصريحات ذات طابع (سياسى) ليس مؤهلا لها، فإننى لا أجد أى أعذار لرئيس الحكومة الذي افترض أن لديه معرفة سياسية بمقدار (ما) تؤهله لتكييف أو توليف (موقف) يمثل رؤية حكومته فى موضوع بعينه.
اللواء محمد إبراهيم نفى وجود عداء بينه و6 أبريل أو غيرها، وهو – هنا – غير موفق على الجملة، لأن تلك المنظمة (6 أبريل) تعادى الدولة المصرية، وقد أسهمت فى ضرب الشرطة المصرية واقتحام مقرات أمن الدولة (كما أثبتت لنا تسجيلات عبد الرحيم على بشكل لا يقبل أى التباس).. فكيف لا يعادى وزير الداخلية منظمة بتلك الطبيعة التخريبية، لعبت أدواراً لا يمكن تصنيفها فى خانة (الوطنية) بحال من الأحوال.. ثم أن وزير الداخلية أردف بعد إعلان موقفه من 6 ابريل بأن: "الداخلية لا تعادى أحدا"، وأنا استميح هذا الرجل - الذي اقدره – عذرا، وأدعوه إلى إعادة صياغة أفكاره حول ضرورة أن "تعادى" وزارة الداخلية من يستحق العداء.
إذ أن مصر تواجه مؤامرة ينفذها حشد من الجواسيس والعملاء والخونة تم تدريبهم فى "اتبور" و"كانفاس" و"موفمنت" وفى ورش عمل تخصصت فى تفكيك النظم الوطنية، وتم تمويلهم من الأمريكان والقطريين وغيرهم.. فكيف يريد اللواء محمد إبراهيم أن يتدثر بمثل تلك الحيادية غير المفهومة.. وما أقلقنى – كذلك – أن وزير الداخلية أضاف إلى تصريحه فكرة مدهشة تقول بأن مصر "أصبحت ملعبا مفتوحا لأجهزة المخابرات الدولية وربما تكون هى التى سجلت للنشطاء".. وأجدنى مضطرا إلى رفض كلام اللواء إبراهيم – مرة أخرى – لأنه اندفع راغبا فى تبرئة الداخلية، وإزاحة المسئولية على آخرين (أجهزة مخابرات دولية) بينما كان الأولى به ألا يعلق على الموضوع بتاتا، لأنه إذا كانت أجهزة المخابرات الدولية ترتع فى بلدنا على ذلك النحو، فهذا تقصير كبير من مؤسسة الأمن، كما أن الداخلية فى غمرة بحثها عن الحيادية راحت تتفانى فى نفى قيامها بمواجهة تلك العناصر المشبوهة بكل وسائلها المتاحة وكأنها تتوسل غارقة فى دموعها: (لا والنبى مش أنا)! وهذا أيضا موقف لا يجوز، وحين نقوم بأنشطة لا نريد الإعلان عنها يمكننا ألا نعلن عنها فعلا، ولكن علينا ألا ننفى عن أنفسنا قيامنا بواجباتنا.. أما حازم الببلاوى فلم يفاجئنا بموقفه الذي يمثل مراكمة على مواقفه السابقة التى تنصل فيها من أية مواجهة مع القوى المعادية لبلادنا، ولكن ما فاجأنا - فى الحقيقة – هو فهمه لتلك التسجيلات باعتبارها اعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وإعلانه فى مواجهتها – بعنترية شديدة – أنه يرفض التنصت على الأفراد ويحمى الحرية الشخصية لأولئك الأفراد.
شكل الببلاوى موقفه وفقا لفهم مغلوط لتلك التسجيلات، فتلك التسجيلات (أيا كان مصدرها) ليست عن علاقات جنسية تربط بين المتحدثين فيها، أو تحتوى إفشاء لأسرار صناعية أو تجارية، ولكنها – بكل بساطة – عبارة عن موضوع (أمن قومى)، وهى تكشف بعض المتآمرين على بلادنا الذين كانوا جزءا أساسيا من (عملية) يناير 2011 حين استهدفت تفكيك الدولة وإطاحة مؤسساتها.
الببلاوى يبحث عن سلامته ويريد أن تنتهى المرحلة الانتقالية بأقل حجم من خسائره الشخصية، وفى سبيل تلك الغاية الأنانية أشاح الرجل بوجهه عن مصالح الدولة والشعب والتى اقسم على رعايتها رعاية كاملة.
واقلب فى أوراق تلك التصريحات – مرة أخرى – فأجد اللواء محمد إبراهيم وقد أعلن أن رئيس مجلس الوزراء سوف يناشد النائب العام "التحقيق فيما تم إذاعته من تسريبات فى برنامج عبد الرحيم على" وهذه الجملة – فى الحقيقة – غامضة وغائمة وعائمة وتفصح عن رغبة قوية لدى الحكومة تحاول تجنب تحمل مسئولية أى موقف.
وأجدنى على شفا غضب كبير إذا لم تفيدنا الحكومة السنية بطبيعة بلاغها إلى النائب العام.
فهل هو بلاغ ضد قناة القاهرة والناس وعبد الرحيم على؟ أو أنه بلاغ ضد العملاء الذين أفصحت تلك التسجيلات عن عمالتهم بشكل لا يقبل النقاش؟ أم أنه بلاغ ضد الجهة التى سجلت أيا كانت؟ أو أنها بلاغ ضد الجهات التى توفرت لها تلك التسجيلات ولم تذعها خلال السنوات الثلاث الماضية كما لم تقدم المتحدثين فيها للجهات القانونية؟
أية حكومة ينبغى أن يكون لها موقف، وينبغى على مجلس وزراء الببلاوى أن يخبرنا ما هو موقفه مما قيل فى تلك التسجيلات، واستمعنا إليه جميعا بأذاننا.
هذا هو ما نبغى معرفته وإلا على تلك الحكومة أن تصمت.
وربما – قبل أن أغادر – يحسن بى أن اطلب من اللواء محمد إبراهيم ألا يساير تلك الروح المتفشية فى وزارة الببلاوى، ويلتزم ما تعودناه من الشرطة والجيش والوزراء الوطنيين القلائل فى تلك الحكومة.