1-
هل يصح لنا أن نطرح سؤال المسرح فى الحرب أو عن مسرح الحرب؟ كيف نصنع مسرحا وسط الدمار المعنوى والمادي، وسط مشاهد الحياة اليومية التى عنوانها الفقد خطفا وتغيبا والموت بطرق شتى رصاصة طائشة، تفجر لغم، إعدام وسحل وقطع وحرق، نفوس يعتريها التوجس والخوف ممن يحمل سلاحا يوجهه بلا رحمة لمن يخالفه رأيا، وهل فى إمكان الفنان المسرحى كاتبا مخرجا ممثلا أن يتعايش كما مواطنى بلده فى بقعة تموج وتمور بالخطر المهدد لاستمرار الحياة دون أن يوظف سلاحه السلمى لمقاومة ومواجهة الموت؟ هل بإمكان المسرح أن يقدم سؤاله عن شئون وشجون الحرب وهى الكُره المفروض، فى مراجعتنا لمشاهد الحروب ووقائعها، سنلمح من حاول ذلك عن سبق إصرار وتقصد ليبعث الحياة من رميمها ليس فى المسرح فقط بل فى كل الفنون والآداب من رفع صوته بأغنية، أو خط بريشته جدارا، ومن نقش حروفا بذاكرة قاومت التهشيم والحجب وحفظت لنا درسا من وجه تلك الأنواء العاصفة.
كان هذا العنوان الفكرى الثقافى (المسرح تحت دوى القنابل) مدار محور رئيس فى عشرة أيام التقى فيها فنانو المسرح عربا وغربا فى المهرجان الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى فى يوبيله الفضى الخامس والعشرين بالقاهرة، حين طالعت كتاب المهرجان وفى إشارته لماذا المسرح تحت دوى القنابل؟ كون المسرح محاكاة الحياة فى كل أوضاعها سلما وحربا، ولسنا الأولين فى ذلك فاليونان مبتدأ المسرح نقلت الإلياذة والأوديسة حروبا ومواجهات، وكان المسرح الرومانى عنوانه الحماسة وإيقاذ النفوس لمواجهة العدو بل تمركزت مهمته لأجل ذلك بموازاة الحرب هناك مسرح الحرب!، شكسبير أيضا.
لجنة إعداد المهرجان اختارت الموضوع لجلسات نقاش وحوار وشهادات كما العروض المشاركة ومنها: (رائحة حرب) عن نص روائى «التبس الأمر على اللقلق» للفلسطينى أكرم مسلم، قدمته الفرقة الوطنية العراق، و(مروح على فلسطين) من فرقة مسرح الحرية بمخيم جنين فلسطين، و(حضرة حرة) إنتاج سوريا/ ألمانيا، وطرحت عروضا أخرى من دول عربية وأجنبية مسألة نتائج الحروب كالهجرة واللجوء والصراع النفسي، والعنف وثقل الحرب على النساء.
2-
ظروف الحرب منعت مشاركة بلدى ليبيا، ففى طرابلس حيث تتناحر وتتقاتل الميليشيات المسلحة لأجل السلطة والثروة دوى القذائف عطل مطارها، ولذا شاركت ممثلة مقعد بلدى باعتبارى أستاذة بقسم المسرح بكلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس، وترأست شعبة النقد والتأليف بها وممثلة مسرحية ومخرجة بالمسرح المدرسي، وقد غيبت الحرب المدعوين الرسميين من إدارة المهرجان، قدمتُ أكثر من مداخلة فى أصبوحات الندوات، وعلى هامش العروض تجاذبت أطراف الهموم المشتركة لأوطاننا صحبة أساتذة من معلمينا رواد المسرح العربى وهم أسعد فضة من سوريا، وعزالدين المدنى من تونس، وجواد الأسدى وعزالدين عبود من العراق طرحوا سؤال المهرجان علي، وركزوا أكثر حول ما الأوضاع فى بلدكم، وهل ينشغل الليبيون فى هذه الأوضاع بالآداب والفنون؟ وكنت على منصة قاعة المجلس الأعلى للثقافة وأمام ضيوف المهرجان عربا وغربا كما مشاركتى بالحديث لمواقع صحفية وقنوات فضائية (القناة المصرية الأولى، قناة الغد العربي، صحف ومواقع الشروق، والمحروسة، ومجلة مسرحنا) تحدثت عن بنغازى التى كانت وظلت مدينة المسرح الليبية وأطلق فنانوها مهرجان الكوميديا المسرحى 2013، وبها عروض مسرحية موسمية ومناسبتية تتجاوز عروض عاصمة البلاد إلى يومنا هذا، وأضفت عما تفعله وتنشط فيه مدن أطراف ما يعد سابقة دونًا عن عقود أربعة مضت، فى مدينة درنة شرق ليبيا تجرى الاستعدادات اليوم لمهرجان مسرحى يعتمد المخرج كشعار لدورة عروضه وضيفة شرفه تونس، درنة المدينة المستنيرة المنفتحة نتاج أصول لهجرة أندلسية عاشت الإرهاب والتطرف لسنوات تجذر فيها منذ تسعينيات القرن الماضى وأعادت منابته مع سنوات ثورة فبراير مغتصبا فرحة الناس بتخلصها من ربقة الديكتاتورية، فتحين الفرصة ليلبس لبوسها ويعيد الكرة !، وفى مزدة (جنوب غرب) مهرجان سينمائى فى دورته الثالثة 2018، وهون التى توظف تراثها فى عروض مسرحها، وفى أكثر من مدينة ليبية انطلقت مؤخرا فرق شبابية مسرحية مستقلة، وأعلمتهم بأن أكثر من عشرين مدينة ليبية تشهد غيابا لمظاهر الصراع والاقتتال وقد أهلها ذلك لأن تنطلق فى أنشطة ثقافية وفنية.
تنقلت رفقة رفيقات عرفتهن بالمهرجان على خمسة مسارح لمتابعة العروض، كانت أغلب العروض الأجنبية لا تشهد جمهورا أكثر من المدعوين الرسميين وبعض الشغوفين والجالية المقيمة بمصر لبلد العرض، كما حصل بعرضى روسيا واليابان رغم توفر الترجمة التى اجتهد المقيمون على المهرجان على تواجدها حتى بالعروض العربية كعرض تونس (العنف)، وشهدت العروض المصرية ازدحاما شديدا بل احتج الجمهور أمام واجهة قاعة العرض بعد اكتمال المقاعد، وعلى العكس من ذلك كانت قاعة الغد الصغيرة الحجم محددة الجمهور فى عروضها وتمنيت أن يحظى الشباب من الجمهور المحب للمسرح بإتاحة أكبر للمشاهدة دون أن يقف ولا يسمح له بالدخول، كانت أيام المهرجان قد شهدت ورشا تدريبية بخبرات أجنبية عنت بالشباب الهواة والمحترفين، وهذا مكسب يحسب لإدارة المهرجان التى أعلنت فى حفل الاختتام أن إدارة تدريب مسرحى ستكون متاحة لعام كامل.