كان أول يوم دراسة، شقيقتي تكبرني بعام، استيقظت أمي فجرا تكوي لنا لبس المدرسة بالمكواة الحديد؛ تلك التي كانت تضعها على الوابور أبو كباس لتسخين ثم تفرد بها الملابس؛ كانت شقيقتي التي أصبحت اليوم مدرسة إنجليزي تأخذ الوصايا من والدتي بالاعتناء بي، وإطعامي السندوتشات في الفسحة وألا تفارقني، أعطتنا أمي ربع جنيه مصروف وكان مبلغا كبيرا آنذاك؛ خرجنا من المنزل ونحن نمسك بيد بعض؛ وكان الراديو يملأ الشارع صدحا بأغنية بالسلامة يا حبيبي بالسلامة؛ تناقشنا أنا وشقيقتي في توزيع المصروف؛ فقالت لي علشان أنا أكبر منك بسنة هاخد 15 قرش وإنت هتاخد عشرة صاغ، لم تعجبني القسمة وقلت لها أنا اللي هاخد أكتر علشان أنا ولد؛ لكن الربع جنيه كان معها وهي المتحكمة في المصروف، وأنا أحبها إلى القدر الذي جعلني منذ الصغر أفضلها على نفسي؛ فقلت لها ماشي خدي إنتي أكتر بس تديني من الحاجة اللي هتجبيها؛ وبينما نحن سائرون وجدت جنيها صحيحا؛ فركت عيني ودققت النظر فاتضحت الرؤيا نعم "جنيه"؛ أخذته وصرخت: لقيت جنيه ربنا بيحبني.. لقيت جنيه.. خدي بقى إنتي الربع جنيه ليكي؛ صمتت شقيقتي فمسكت بيدها وقلت لها: خلاص يا نوجا هنقسمه سوا تهلل وجهها وفي الفسحة اشترينا كل شئ عيش وطعمية وبيض مسلوق بالسمنة البلدي من خالتي نعيمة؛ وللحق لم تنس شقيقتي نصائح والدتي كانت تحيط بي وتذاكر لي دروسي ولطالما أخذت انضربت بالحزام من والدي بسبب عدم حفظي؛ كنت أخذ ضربة وأجري اختبئ لدى جدتي وكانت هي تأخذ بقية "العلقة"؛ كنا ليلا نضع الطبلية وتجلس أمي بجوارنا ونحن نكتب الواجبات فتمسك الكراسة وتطالبني بتحسين خطي، وإعادة الكلمات الخاطئة؛ ظللنا على هذا الحال سنوات كثيرة وكانت المفاجأة أن أمي لم تكن دخلت المدارس، وحتى الآن أبحث عن هذا السر.. معلمتي الأولى لم تكن دخلت المدارس فكيف كانت تعرف موضع الخطأ وتوجهنا بتصحيحه، بعد انتهائنا من الوجبات المدرسية؛ يأتي وقت الحدوتة كان أمي تهدهدنا وتقول: أتمنى عبد المطلب ربه عطاه.. أتمنى عشرة من الولاد حقق مناه.. كان أجمل العشرة الغلام عبد الإله ثم تستكمل الحدوتة بصوتها الدافئ الحنون حتى يسرقنا النوم.
آراء حرة
حواديت عيال كبرت "34".. أول يوم في المدرسة لقيت جنيه
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق