منذ نشأتها ونحن نسمعهم ونشاهدهم يتحدثون عن دولتهم الكبرى التى
وعدهم الرب إياها والتى تلتهم معها مساحات شاسعة من الأراضى العربية شرقا وغربا،
إنها إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة، فعليا هى ليست نظرية سياسية
استعمارية توسعية فحسب، ولكن فرض عين وفقا لعقيدة دينية تعهد فيها الله لسيدنا
إبراهيم، كما ورد بالتوراة فى سفر التكوين الإصحاح ١٥ الآيات أرقام ١٨و١٩ و٢٠ و١٢
والتى تقول نصا: «فى ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع أبرام قائلا: سأعطى نسلك هذه
الأرض من وادى العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات.. أرض القينيين والقنزيين
والقدمونيين والحيثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين
واليبوسيين».
تاريخيا هذه الأقوام الرحالة كانت منتشرة فى العراق وسوريا وفلسطين
ونهر الأردن ومصر، ومن ثم فإن مقدرات هذه الدول الثلاث على وجه الخصوص بجانب
الشام، هى غنيمة وهبة ربانية للصهاينة تعهد بها الرب لسيدنا إبراهيم.
وبعيدا عما إذا كانت التوراة محرفة، وأن هذه الآيات تحديدا مدسوسة،
إلا أنها تظل عقيدة لكل اليهود فى العالم بصفة عامة، والصهاينة بشكل خاص، تسعى بكل
الوسائل لتحقيق هذا الوعد والعهد، بأن تصبح حدود إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.
وتاريخيا ظل اليهود يحاولون إقامة وطن فى أرض الوعد، والهبة التى
وهبها الله لإبراهيم، حتى يوم ٢ نوفمبر ١٩١٧ وهو تاريخ وعد «بلفور» المتمثل فى
رسالة بعث بها «آرثر جيمس بلفور» إلى اللورد «ليونيل والتر دى روتشيلد» يؤكد فيها
تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت سلسلة مؤتمرات، لإعادة
صياغة الخريطة الجغرافية فى العالم، من بينها المؤتمر الذى عقد عام ١٩١٩ فى باريس،
شارك فيه مندوبو أكثر من ٣٢ دولة وكيانًا سياسيًا، وبحضور «الأربعة الكبار» وودرو
ويلسون، رئيس الولايات المتحدة، وديفيد لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا، وجورج
كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا، وفيتوريو إيمانويل أورلاندو، رئيس وزراء إيطاليا،
وصاغوا ٥ معاهدات كبرى، منها تقسيم أملاك الدولة العثمانية، ورسم حدود جديدة لبعض
الدول وإنشاء دول لم تكن موجودة من قبل.
وفى ٢٢ مارس عام ١٩٢٨ تأسست جماعة الإخوان الإرهابية، واتخذت
الإسماعيلية مقرا لها تحت زعم النضال والكفاح ضد الاحتلال البريطانى، وهو أمر
كذبته الوثائق والممارسات على الأرض، حيث عقدت الجماعة الإرهابية العديد من
الصفقات السياسية مع بريطانيا، وهو ما دفع عددا كبيرا من المؤرخين والمهتمين بشأن
جماعات الإسلام السياسى إلى التأكيد أن هذه الجماعة هى صنيعة المخابرات
البريطانية، لتحقيق أهداف تأسيس «إسرائيل الكبرى من النيل للفرات»، والتأكيد
الثانى عمق العلاقة التى تربط بريطانيا بالإخوان حتى الآن، لدرجة أنه لا غضاضة أن
نطلق على «لندن» بأنها عاصمة «الإخوان» أيضا مثلما هى عاصمة بريطانيا!!
الدليل الثانى، أنه وفى عام ١٩٤٠ تأسست جماعة الإخوان فى سوريا،
واعتبرت نفسها فرعا من الجماعة «الأم» فى مصر، وما حدث من الإخوان وممارساتهم
وتورطهم فى حريق القاهرة وارتكاب سلسلة اغتيالات منها النقراشى باشا والخازندار،
وجميعها تصب فى مصلحة المحتل البريطانى، ثم صدامها مع جمال عبدالناصر، حاولت
استنساخه وتطبيقه فى سوريا، عندما نفذت مذبحة لمجموعة طلاب «المدفعية»، لاحظ ذلك
طلاب الحربية، فى يونيو ١٩٧٩، وقد سلحت كوادرها وحاولت الاستقلال-جماعة الإخوان فى
سوريا- بمدينة «حماة» فكان الرد عنيفا وقويا من النظام حينها، وقرر الرئيس حافظ
الأسد حظر الجماعة وشن حملة تصفية واسعة فى صفوفها، وأصدر القانون ٤٩ عام ١٩٨٠
الذى يعاقب بالإعدام لكل من ينتمى إليها، وهو ما يفسر أيضا سر عداء الإخوان المخيف
لبشار الأسد.
وفى عام ١٩٤٥ وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأسست الإخوان فى
غزة، برئاسة الحاج ظافر الشّوا، تحت زعم الكفاح المسلح ضد العصابات الصهيونية التى
كانت قد ظهرت بكثافة، وصنعت ما صنعت من تمزيق وحدة الصف الفلسطيني، ومؤخرا، اتخذت
من غزة وطنا فلسطينيا مستقلا، وبدلا من أن يتوحد أبناء فلسطين فى خندق واحد للكفاح
ضد الإسرائيليين، رفع إخوان غزة السلاح والنضال ضد أبناء وطنهم، وأبناء عمومتهم
العرب، بتنفيذ عمليات إرهابية مثلما يحدث فى سيناء!!
وفى نفس العام الذى تأسست فيه الجماعة الإرهابية فى غزة، أعلنت
تأسيسها أيضا فى الأردن بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر.
وفى عام ١٩٤٩ تأسست الجماعة فى العراق، واعتبرت نفسها أيضا فرعا من
الأم فى مصر، ومارست نفس الممارسات العنيفة والمسلحة، ما دفع الرئيس العراقى
عبدالكريم قاسم إلى إصدار قرار بحل الجماعة واعتقال قياداتها فى أكتوبر ١٩٦٠
وتجريم الانتماء إليها، واستمرت الجماعة فى العمل السرى كالعادة.
ثم والأخطر أنها لعبت دورا تخريبيا فى العراق، من خلال دعم تنظيم
القاعدة لإسقاطه بغداد فى وحل الفوضى، ثم الدور الأقذر الذى لعبته فيما يطلق عليه
زورا وبهتانا ثورات الربيع العربى، فى مصر وسوريا وليبيا، واستحدثت جماعات
وتنظيمات جديدة تحت مسميات «داعش وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس» وغيرها من
المسميات التى تنفذ مخططات إسقاط دول الطوق فى مستنقع الفوضى، لصالح إسرائيل الكبرى
من النيل للفرات، ولا ننسى الاتفاق الذى تم بينهم وبين الإدارة الأمريكية بشأن
سيناء والتخلى عن جزء منها لصالح توطين الفلسطينيين وهو الحجة الظاهرة أما الباطنة
فكانت التفريط فيها أيضا لصالح الصهاينة إضافة لفتح باقى سيناء على مصراعيها أمام
الجماعات الجهادية المسلحة والتى كان يتم إعدادها لتكون الحجة التى يتم بها اجتياح
سيناء كلها بواسطة قوات أجنبية تلغى سيطرة وسيادة الدولة المصرية على تلك القطعة
الغالية من الوطن مثلما حدث مع شمال سوريا حاليا ومنطقة كردستان العراق والتى
أصبحت ملعبا ومرتعا لإسرائيل وأصبحت بالفعل خارج سلطة الدولة العراقية.
ومن خلال هذا السرد التاريخى المبسط للغاية، يتبين لنا أن جماعة
الإخوان الإرهابية، و«قول واحد»، ساعدت بريطانيا فى تأسيسها لخدمة تحقيق مخطط
إقامة «إسرائيل الكبرى من النيل للفرات».. وأن تأسيسها وفاعليتها كان فى دول الطوق
المحورية لإسرائيل «مصر وإسرائيل والأردن وغزة بجانب العراق» وهو أمر أصبح لا يقبل
الجدال أو مجرد الشك بعدما رأينا نتاج أعمالهم وأفعالهم فى جميع الدول العربية
كافة وفى الدول التى سبق ذكرها خاصة، وعليه فإنه أصبح لزاما علينا جميعا أن نكون
أكثر وعيا وأن نعمل عقلنا فى التعامل والتعاطى مع أى معلومة تمر من أمامنا وأن
نعرف مغزاها والهدف منها، فالعدو ما زال متربصا بنا يتحين اللحظة المناسبة
لإسقاطنا مثلما فعل مع من سبقنا وهو لن يتوقف عن محاولاته حتى يبلغ هدفه.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها.