تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بداية أستطيع القول إننا لا نملك قدرة على تسويق بضاعتنا، ذلك أن عقلية الموظف لا يعنيها إلّا الراتب والحافز الإضافى والترقية والعطلات الرسمية وغير الرسمية، وقلما تجد موظفًا يفكر فى خدمة هذا الوطن ويتفانى فى حبه فيبتكر الحلول بالخروج عن المألوف والبحث عن الجديد ومواكبة التطور العلمى والتفكير خارج الصندوق، ولهذا فليس غريبًا أن يصل حال قطاع مهم فى بلادى كقطاع السياحة إلى ما وصل إليه، ومن السهل علينا أن نتبادل الاتهامات ولكن من الصعب أن نعترف بأخطائنا أو أن ندين أنفسنا، والحقيقة يا سادة أننا جميعًا نتحمل مسئولية السياحة فى مصر، ذلك القطاع الذى بإمكانه إحداث نقلة نوعية فى اقتصاد مصر، فيأتى اليوم الذى يعيش فيه المواطن المسكين حياة الرفاهية، وتقرر الحكومة خفض الضرائب وزيادة الدعم نتيجة الفائض المالى العائد من السياحة، ولكن هيهات أن نفعل بأنفسنا هذا، فنحن نتفنن فى إضاعة الفرص وإلقاء الاتهامات على الغير، ووضع العراقيل والمعوقات أمام أية فكرة جديدة، وهناك من يرهب الخفير والوزير بأن مخالفة القوانين واللوائح ستقوده إلى السجن، ولذا فشيمة معظم المسئولين الخوف، علما بأن الأيدى المرتعشة لا تبنى أوطانًا، والسؤال الذى طالما شغلنى هو كيف تملك مصر كل هذه الآثار والمزارات السياحية ومع ذلك لا يرتادها إلا ما يقرب من ثمانية ملايين سائح فى السنة، فى حين أن حجم السياحة فى العالم قد وصل هذه السنة إلى نحو مليار وثلاثمائة مليون سائح، وبمقارنة بسيطة ستجد أن فرنسا قد زارها فى العام الماضى حوالى ثمانية وثمانين مليون سائح، بينما زار أسبانيا قرابة الثلاثة والثمانين مليونًا، فى حين أن عدد السائحين فى تركيا قد وصل إلى نحو أربعين مليونًا، رغم أن هذه الدول لا تملك ما نملكه نحن من آثار، ومن الطبيعى إذا وضعت هذه الأرقام أمام مسئولى السياحة فى مصر فإنهم سيتحدثون عن تأثير الوضع الأمنى والمتغيرات السياسية التى حدثت فى البلاد عقب يناير 2011، وكأن عدد السياح قبل ذلك التاريخ قد وصل إلى عشرين مليونًا أو حتى بلغ العشرة ملايين، وهكذا فما أسهل الرد بإلقاء الاتهام على الآخرين وعدم الالتفات إلى الحقيقة، والتى أكرر أننا جميعًا نتحمل مسؤليتها، ابتداءً من دور السفارات والقنصليات المصرية فى الخارج والتى يجب أن تسوق لمصر بكل ما أوتيت من قوة، وكذا الهيئة العامة للاستعلامات ومكاتبها المنتشرة فى الخارج، ومرورًا بتعامل المواطن مع السائح وانتهاء بجميع أجهزة ووزارات الحكومة، فالسياحة ثقافة يجب أن يتعلمها الطفل فى المدرسة، فلماذا لا تفكر وزارة التعليم فى وضع منهج دراسى عن كيفية تعامل المواطن مع السائح؟، ولماذا لا تمنح تأشيرة الدخول فى مطار القاهرة لمن معه خمسة آلاف دولار، وإذا كان الرد هو الهاجس الأمنى فالحل يكمن فى وضع آليات تتبع مبتكرة ونشر الكاميرات فى كل شوارع القاهرة والمدن السياحية، فإحساس المراقبة يدفع الإنسان إلى الخوف من المخالفة، وأما وزارة الآثار فعليها أن تلتفت إلى الآثار غير الفرعونية، لأننا كمصريين نشعر أننا لا نملك إلا الأهرامات والمعابد الفرعونية ونتناسى أن لدنيا آثارًا يهودية وقبطية وإسلامية فضلًا عن الآثار الرومانية واليونانية ومقابر ضحايا الحرب العالمية الثانية، والتسويق لكل هذه الآثار هى مهمتنا جميعًا، فهناك من لا يعرف أن قبر العز بن عبدالسلام فى مصر، ولكن الإهمال قد طاله ككثير من الآثار الإسلامية، وأذكر أننى فى رمضان الماضى كنت بالسيدة زينب ورأيت كيف يعلق الباعة بضاعتهم على جدران أحد الأماكن الآثرية المجاورة لقسم السيدة زينب، وإذا تحدثنا عن مقابر اليهود فى البساتين فقل ما شئت على الرغم من أنها قد تتحول إلى قبلة للسائحين اليهود الذين يحركهم الحنين لزيارة أجدادهم وآبائهم من اليهود المصريين المدفونين هنا، ونفس الشئ ينطبق على مقابر ضحايا الحرب العالمية الثانية فى مدينة العلمين، ناهيك عن الآثار القبطية التى ستتحول أيضًا إلى قبلة للسائحين من كل صوب إذا أحسنا التسويق لها، ولا أدرى لماذا لا تفكر شركات السياحة فى عمل برامج لزيارة هذه الآثار والترويج لهذه البرامج عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعى باللغات الأخرى وفى الجامعات الأوروبية والآسيوية والأمريكية، ولماذا لا يمنح السائح تخفيضًا على الزيارة الثانية لمصر، ولماذا لا تضم البرامج السياحية زيارة المسارح وحضور حفلات الأوبرا وأوركسترا القاهرة، وإذن فالأمر يحتاج لتضافر جهود مختلف الوزارات والهيئات، ويحتاج بالدرجة الأولى لتدخل السيد الرئيس، فالسياحة وحدها ستحقق رغد العيش المرجو، وتعالوا نتطلع إلى زيادة الدخل من السياحة ليصل إلى سبعين مليار دولار، وليس إلى سبعة فقط كما هى الحال، والمسألة ليست صعبة ولكنها تحتاج لإرادة.