على البسكلتة البسكلتة هنعدي على الأرض وندوس.. شعارا رفعته ومنفلة ضربتها بقدمي فأدارت موتوسيكلا تاريخيا لكي.. هذا الموتوسيكل يسير إلى الوراء أكثر ما يسير إلى الأمام ليس به كلكس ولا نور لكن الحمد لله به بصيص من فرامل رجل، قادتني الحاجة وساعات الحظر إلى ملء تنكه والاستعانة به، على مضض وافق فعلقت حقيبتي على كتفي ولصقت نظارتي على وجهي ومشيت اجتر الذكريات ما بين ماضي وآت ألعن.. أمد يدي داخل حقيبتي وأقبض على حفنة من أشعاري وكتاباتي وأنثرها نثرا في التراب فالتراب أجدى وأنفع منها، أقف عند الدائري بعد ثلاث ساعات امتطيت فيهم الموتوسيكل كما كان يمتطي العرب الجمل من فرط شكواي بآلام المقعدة لم أعد أشعر أنها كانت لي في يوم الأيام، أدلف إلى منحدر لا يعرفه إلا صاحب خبرة، حيث تنزوي عربة فول مكدس وجهها بأطباق المخلل ورءوس البصل التي ذبلت وحان وقت حصادها، أحشر نفسي بين الواقفين بعدما تحصلت على أرغفة عيش مثل أقراص الأسبرين في حجمها وأكاد لا أعرف ظهرها من وجهها أقطع الرغيف نصفين وألك اللقمة في الطبق بغل وحقد أدهس حبات الفول كما تدهسني الحياة، أفيق على صوت صاحب العربة طرشي ولا صلطة ياباشا.. أسرح في كلمة باشا.. يقلل المرتبة طرشي ولا سلطة يا أستاذ.. أعود من شردتي مسرعا قبل أن يلغي الألقاب ويقولي طرشي ولا صلطة ياض، كل محصل بعضه طرشي أو سلطة.. بعدما أتأكد أنني ملئت التنجر وانتفخ القولون وبالكاد أصبحت ألتقط أنفاسي يأتي وقت الماء هناك حيث يقبع الجركن الأزرق الكبير الذي كان يستخدمه فريد شوقي في الأفلام ليضرب به المليجي والتي كانت تختبئ فيه فيروز من العصابة حينما كنت أنتظر يوم الخميس لأشاهد اليوم المفتوح على القناة الأولى، أعرف شكله جيدا أكشف غطائه أجنب ما علق بالماء من بقايا طعام وآثار أياد مدت في قلبه قبلي أملء كوبي أشرب لا أبالي بنقاء الماء من عدمه فالحياة كلها ملوثة ومريرة، أفرك يدي وأحمد الله وأقول لنفسي فاضل بقى خمسينة شاي وكده إنسى بطنك لغاية ما تروح بالليل، الخلطة دي عايزة كسارة خرسانة عشان تتهضم، أرتشف الشاي في جمهورية شبرا وأنا أسمع كوكتيل من الأغاني شعبي وطني عاطفي.. تنوع لا يمكن أن تجده غير هناك تواصل الأجيال أم كلثوم تغني بجانب أورتيجا وشادية بجانب مصطفى كامل مقطوعة من رجعوني عينيك لأيامي اللي راحت وأخرى من أديك في الجركن تركن.. شادية تشدو ما شافش الولاد وعبد الباسط عيل تايه يا ولاد الحلال وسائق التوك التوك يأتي بفصل الخطاب حيث أغنية أنا مش عارفني، أنهض وأنفض الغبار عن نفسي حتى يحل محله غبار جديد، أعود وأمتطي الموتوسيكل مستعدا لعرض بهلواني داخل القاهرة يمينا ويسارا على الرصيف بين السيارات أتحدث بجميع اللغات «بالراحة يا واد عمي.. خد يمينك يا برنجي.. خدني على جناحك يا كبير.. أخوك الصغير بعجلتين فما تفتريش عليه.. صباحه أر يا سيدي.. بيب بيب.. هوبا.. ربنا ستر.. عدي يا عم.. حاجة تخنق.. الله يخرب بيت دي بلد.. ارحمنا يا رب.. توب علينا يا رب.. إيءءءءءءءء.. وأخيرا زفت قصدي زيست وصلت تحت الشغل»، أرمي الموتوسيكل أدخل هواء التكييف .. أدلف إلى الحمام أحفلط في نفسي أصطنع شخصية جديدة غير التي كانت في المؤسسة.. أمنح نفسي لقب أستاذ.. أفتح الفيس أحيي أصدقائي أنخرط في عالم الأخبار تمر الساعات بلا فائدة سوى أنني استرحت من عناء المجئ استعداد لمشقة العودة إلى غياهب قرى القليوبية، مسرعا أنزل أضئ لمبة الموبايل لأن الموتوسيكل ليس به نور أخرج الصفارة من شنطتي وأضعها في جيبي ربما أحتاجها لأنه لا يوجد به كلكس.. امتطيه عنوة أبدأ رحلة العودة ليس هناك جديد فعلته فاليوم مثل البارحة، أصل البيت وطنين نحل في رأسي، آتناول الطعام أهرع إلى الفراش في ومضة أشعر أن الصبح أت.. تناديني أمي قوم عشان تلحق الشغل.. مالك يا بني طول الليل تزمر وتقول فن فن.. حاسب يا عم.. أنادي عليك ما تردش.. وتفضل تهلوث.. ما تروحش بالموتوسيكل يا بني طالما بيتعبك، ربنا يكرمك يا بني وتجيب لك حتة عربية ولو بالقسط، ولأن الله لا يرد دعوة أمي هذا ما عهدته، جاءت العربية وتركت الموتوسيكل لشقيقي المهندس، لكنه ذات يوم اتصل بي وأخبرني أن الموتوسيكل العزيز قد سٌرق، حزنت جدا مع أنه بات كهلا ويحتاج من يخدمه، لكنه موتوسيكل أبي وعاش معي سنين طويلة تحمل فيها كل ألوان العذاب، قلت لشقيقي لا تحتك بأحد وتعالى العوض على الله في عزيز افتقدناه، لكنه أصر على البحث، فما كان مني إلا أن أخذت صديقي المهندس سعيد وتحركنا بالسيارة لنذهب من القرية إلى المدينة حيث شقيقي، أخذنا كل الطرق المختصرة حتى نصل فالوقت كان متأخرا، وبينما أنا أسير بالسيارة وجدت اللص والموتوسيكل، يحاول أن يديره ويأبى الموتوسيكل الانصياع، يضرب المنفلة فتفر، لم يع اللص أن هذه العشرة الطويلة لن تهون على الموتوسيكل، على الفور فتحت الباب واتجهت نحو اللص قلت له: «يا أخي حرام عليك بتسرق الموتوسيكل ليه ده كله علشان تجيب شريط برشام ولا قرف من اللي بتشربه، خد 50 جنيه أهي وأمشي»، تعجب اللص وهم أن ينطق فقلت له اصمت إنت سرقت الموتوسيكل من المكان كذا وسيبه يمشي، اتصلت بشقيقي وقلت له تعالى أنا جيبت الموتوسيكل، من منفلة واحدة دار وأحسست أن تنكه يرقص من الفرح فقد عاد لإهله، على استحياء زغردت زمارته، أخذ أخي الموتوسيكل وذهب إلى المنزل، واتجهت أنا وصديقي المهندس سعيد إلى اجتماع شلة من أصدقائنا، لنقضي الليلة ونحن نحكي لهم عن مطاردة اللص بين الأراضي الزراعية، وعدم خوفنا من الأسلحة والنار، وتلك العلقة الساخنة التي ضربناها للص، وحكاية الموتوسيكل معي وحينما عدت للبيت كتبت على تنكه لقدت عدت بستر الله ودعوة أمي لك، فلا تغادرنا وإن أجبروك.
آراء حرة
حواديت عيال كبرت "32".. "أنا ولص الموتوسيكل والباشمهندس سعيد"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق