نحتاج جميعا إلى إعادة تأهيل نفسي، إلى أن نضع هنا نقطة، ونبدأ من أول السطر، نكتب «صح» ونقرأ «صح»، ونعرف ديننا «صح»، كل ما مضى كان «سمك لبن تمر هندي» وإليكم الدليل فكلنا الشيخ «مهيي».
كان هذا الشاب تخرج في كلية حقوق ثم درس في معهد الدعاة، وبات من أشهر الخطباء، إذ أنه يمتلك حنجرة قوية ولديه معلومات غزيرة، كنا صغارا وكانت خطبة الجمعة عن عقوق الوالدين، وبينما هو متحمس يسوق الأدلة التي تؤكد شدة العقاب على من يقل لوالديه «أف»، كان والده يجلس في الصف الأول أسفل المنبر، وإذ به يقف ويقول له: «أف عليك إنت يا شيخ.. إنت كداب كدب.. إنت لسه شاتمني إمبارح وأدي الجامع لك»، لم ينته الأمر عند هذا الحد فالخطيب الفصيح أشار للمصلين بالهدوء ثم قال: «اللهم اشفي أبي»، ومع أن الجميع يعلمون أن الرجل سليم ومعافى إلا أنهم نطقوا «أمين» وراء مولانا، بعدها بأعوام كانت الخطبة هذه المرة عن حرمانية التدخين، وعدد وفند وأكد الشيخ على هذا الأمر، حتى أنني شاهدت بعض المصلين يتركون أماكنهم ويذهبون لإلقاء علب السجائر في سلال المهملات، بعد انتهاء الصلاة ولدى خروجنا من المجلس، وجدت الخطيب يمد يده إلى جيب جلبابه ويُخرج علبة السجائر ويُشعل سيجارة، فأسرعت إليه بحماس الشباب وقلت له: «يا مولانا إنت لسه قايل السجاير حرام»، رد علي بازدراء: «هو إنت بتصرف علي من جيب أبوك!»، تذكرت هذين الموقفين وأنا أطالع أخبار ذلك الإعلامي المثار حوله جدل التحرش، الذي أكدته الوكالة الألمانية التي يعمل بها، تعجبت ممن يدافعون عنه ويفصلون تقييمه كإعلامي عن تصرفاته الفردية، وقلت لنفسي كيف يستقيم الظل والعود أعوج، كيف ننصح الناس بما لا نفعله، تصفحت كل المواقع والمواقف ووصلت إلى نفس النتيجة «لا شيء يعجبني»، وفجأة وأنا أبحلق في الجدران وجدت تفسيرا منطقيا لما يحدث بقول مأثور للمستعرب الياباني «نوبواكي نوتوهارا» كنت قد لصقته على جدران غرفتي يلخص الأمر: «الدين أهم ما يتم تعليمه، لكنه لم يمنع الفساد وتدني قيمة الاحترام»، كان «نوتوهارا» قضى أربعين سنة باحثا في اللغة العربية، عاش في مصر وغيرها من البلدان، وفي عام 2003 أخرج للنور كتابه «العرب وجهة نظر يابانية»، تناول فيه كل شيء في البلدان العربية، من وجهة نظري أنه نقل ما عايشه بحيادية، الغريب في الأمر أن ردة فعل القراء على بعض المواقع التي عرضت الكتاب كانت كردة فعل الخطيب السالف ذكره، حتى أن أحد المغردين طرح سؤالا غريبا لماذا عاش هذا الكاتب في بلادنا 40 سنة وترك اليابان؟ وآخر: لا أعرف الفائدة من هذا الكتاب؟ تابعت التعليقات حتى وجدت في أحدها: «وهو مال أبوه بينا»، دخلت على «البروفايل» وجدته نفس الشيخ المدخن «صاحب خطبة السجائر»، هذا الشيخ حينما ضاق به الحال قيل إنه فتح مكتب استيراد وسافر إلى الصين لجلب بضاعة من هناك بعدما تعرف على رجل أعمال صيني، فور وصوله ومعاونيه دعاهم رجل الأعمال الصيني إلى مأدبة غداء عليها ما لذ وطاب من اللحوم، لكنه رفض تناول الطعام، فألح الصيني عليه، لكنه رفض بشدة قائلا: «ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه»، احترم رجل الأعمال الصيني عقيدة عمنا الشيخ، وتركوا الطعام وجلسوا لينهوا صفقة الاستيراد، وإذا بشيخنا المبجل يقول لرجل الأعمال الصيني: «بص يا حاج جين إحنا هناخد منك البضاعة كلها بشرط تحط على الكراتين استيكر صنع في ألمانيا»، وإذ بالرجل الصيني ينتفض منزعجا وهو يصرخ «نعم يا شيخ مهيي؟».