• ومَنْ يَصنَعُ المَعروفَ مَع غَيرِ أهلِهِ ... يُلاقى كَما لاقى مُجيرُ أُمِّ عامِرِ
ليس هناك أصدق من التجربة إذ لم يختبر أحد منا هذه المقولة إلا ووجدها فى محلها تمامًا، ولكن من أين جاءت؟ وفى أى مناسبة حكيت حروفها المضيئة التى عسى أن يسترشد بها حسنو النوايا وطيبو السريرة؟
يُحكى أن قوما خرجوا إلى الصيد عرضت لهم أم عامر (وهى الضبع) فطاردوها حتى ألجأوها إلى خباء أعرابى فدخَلتهُ، فخرج إليهم الأعرابى وقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا، فقال: كلا، والذى نَفسي بيده لا تَصِلونَ إليها ما ثَبَتَ قائمُ سيفى بيدى، فرجعوا وتركوه وقام فقدم للضبعِ حليبًا ثم أسقاها ماءً حتى عاشت واستراحت، فبينما الأعرابى قائمٌ إذْ وثبت عليه فبقرت بَطنَهُ وشربت دمه وتركته، فجاءَ ابن عم له يطلبهُ فإذا هو بَقيرٌ فى بيتهِ، فالتَفت إلى مَوضع الضبع فلم يرها فاتبعها ولَم ينزل حتى أدركها فقتلها وأنشد يقول:
ومَنْ يَصنَعُ المَعروفَ مَع غَيرِ أهلِهِ... يُلاقى كَما لاقى مُجيرُ أُمِّ عامِرِ
أعَدَّ لَها لمّا استجارَتْ بِبَيتِهِ... أحاليبَ ألبانِ اللقاحِ الدوائرِ
وأسمَنَها حتَىَّ إذا ما تَمَكَّنَتْ... فَرَتْهُ بأنيابٍ لَها وأظافِرِ
فَقُلْ لِذَوى المَعروفِ هذا جَزاءُ مَنْ... يَجودُ بِمَعروفٍ على غَيرِ شاكِرِ.
• تَعْدُوْا الثَّعَالِبُ عَلَى مَنْ لَا كِلَابَ لَهُ ... وَتَتَّقِى صَوْلَةَ المُسْتَأْسِدِ الضَّارِى
يقال إن الذئب يبلغ من شدة احترازه أن يراوح بين عينيه إذا نام، فيجعل إحداهما مطبقة نائمة، والأخرى مفتوحة حارسة.
وفى حرسه وحذره قالوا:
يَنام بإحدى مُقلَتَيهِ، ويَتَّقى ... بأُخرى المنَايَا فهو يقظان هَاجعُ
ويُحكى أن ديكًا صَحِبَ كلبًا يومًا ما، فلما جَنَّ عليهما الليل عند شجرة؛ صعد الديك ليبيت فى أعلاها، وبات الكلب عند جذعها.. فلما كان الفجر صفق الديك بجناحيه كعادته وصاح، فسمعه ثعلب.. فأقبل سريعا فرأى الديك فوق الشجرة، فَقَالَ له انزل لنصلى جماعة.
قال الديك: نَعَم، وإلى أن أنزل نبه الإمام، ها هو ذا خلف جذع الشجرة.
فنظر الثعلب، فإذا كلب كاسر.. فولى كأمس الدابر.. أجبن من صابر.. وأوثب من طامر بن طامر. فقال الديك: ارجع لا يفوتنك أجر الصلاة فى جماعة! قَال: لقد انتقض وضوئى، وَسَأَذهب لأتَوَضأ. وعاد من حيث بدأ.. فقهقه الديك وحدا.
• كان ناجى العلى مطاردا من الجميع.. من الذين يرسم مقاوما ضدهم ومن الذين يقاوم ويكافح لأجلهم. فر إلى بلاد كثيرة هربا من الحصار وطمعا فى مكان آمن، وكانت الكويت فى مقدمة البلاد وأولها التى احتوته ووفرت له بيتا وعملا تقديرا منها لفنه ولدوره فى حركة التحرير والتغيير، كان ذلك فى بداية الستينيات من القرن الماضى إذ كانت الكويت مركز التنوير الخليجى.
مات ناجى العلى وتفرق دمه بين القبائل وانقضت عقود وعقود ليأتى اليوم الذى تمنع فيه الكويت كتب ديستوفسكى وماركيز وكبار آخرين.. فهل انطفأت شعلة التنوير؟ أم أن الجهلة والحمقى وضعاف النفوس والعقول هم الذين يقررون ويتحكمون فى واقعنا الثقافى؟! ألا يخبرهم عاقل أنه فى فضاء الإنترنت والكتب الإلكترونية لا جدوى من المنع؟!
• فى دورة من دورات مهرجان المسرح التجريبى قالت لى سيدة المسرح العربى، سميحة أيوب، إن المهرجان مجرد مهرجان، إذ ما الفائدة الحقيقة التى تعود على المسرح والمسرحيين منه؟! كلام مشابه قاله لى أيضا زوسر مرزوق وآخرين. كان ذلك منذ سنوات طويلة. وما زال المهرجان مجرد مهرجان لن يستفيد منه المسرحيون إلا عندما يكون هناك حركة مسرحية نشطة ومنتظمة لا تتعرض فيه بعض العروض لبيروقراطية الموظفين ورقابة الرقيب وآلة الدعاية المتعطلة عمدا وعزوف الجماهير لانشغالها بما هو أكبر وأعظم: «لقمة العيش». أى تجريب تريدونه فى الوقت الذى تعطى الفضائيات مساحات زائدة عن الحاجة لعروض أقل ما توصف به «تافهة وركيكة» ويظل التركيز عليها وتكرار عرضها حتى يألفها المشاهد على حساب مواهب عظيمة ونصوص بديعة.. فاتنة وهادفة ووضاءة.
التجريب يعنى الحرية، والمسرح أبو الحرية، فأطلقوا العنان للنصوص والعروض والأجيال ثم جربوا!.