من أسوأ دعوات المصالحة مع الإخوان ما أطلقَه عماد الدين أديب بعد الانتخابات الرئاسية الماضية؛ لأن دعوته جاءت فى توقيتٍ يقول إن مصر جددت الثقةَ فى رئيسها وقائدها وانتخبته لفترةٍ رئاسية ثانية بأغلبيةٍ كاسحة، ولم تُفلح كلُ دعواتِ جماعة «الإخوان» وأذرعها الإعلامية فى مقاطعة المصريين للانتخابات، وهو ما يشى بحالِ الجماعة على الأرض من ضعفٍ وهَوَان، وتآكل مصداقيتها لدى الشعب المصري، وتلاشى قدراتها فى الحشد لدعوات المقاطعة، وهو ما يعنى أمرًا واحدًا أن الجماعة قد ماتت وأصبحت نَسْيًا منسيًا.
إن عَرَابَ المصالحة الجديد الذى ينضم إلى عَرَابى المصالحة مع «الإخوان» الذين لا ينفك أحدهم عن المغيب حتى يظهرَ عَرَابٌ آخر جديد يبحث عن دور فى ظل الدولة الجديدة التى تحاول أن تخلق منظومة مختلفة فى مجال الإعلام بعيدًا عن عَرابى النظام المباركى السابق، لقد أثار الحوار الرائع الذى أجرته ساندرا نشأت مع الرئيس السيسى قبيل الانتخابات الرئاسية ذكريات البعض بذلك الحديث الذى أُجرى مع الرئيس الأسبق مبارك قُبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2005، فشعر أنه بعيد عن بؤرة الصورة، ولكن العودة إلى بؤرة الصورة بهذه الدعوة إلى المصالحة مع «الإخوان» على حسابِ دماءِ الشهداء من رجال الجيش والشرطة والمصلين من المسلمين والمسيحيين هى عودةٌ مغموسةٌ بالدم، ولا تُفيد أحدًا سوى جماعة «الإخوان» التى ترغب فى العودةِ إلى الحياة مرة أخرى من عَبَاءة الليبراليين الذين طالما وصفتُهم بأقذعِ الصفاتِ والألقاب.
لقد كتبَ الشعبُ المصرى بكلتا يديْه شهادةَ وفاةِ جماعةِ «الإخوان» حينما ثار ضدهم فى 30 يونيو 2013، وانحاز جيشُ الشعب إلى الثورة ولم يسمح لأيٍ كان أن يمسّ شعرةً من مواطنٍ مصرى أو يلمسَ طرفَ ثوبٍ لمواطنةٍ مصرية خرجت للتعبير عن رأيها، وهى حريةُ التعبير التى حبسها «الإخوان» فى صناديق الموتى الانتخابية.. وصدقوا الصناديقَ الصامتة ولم يُنصتوا لصوتِ الشارعِ الهادر ضدهم.
وبعد دعوتيْ القيادى الإخوانى السابق كمال الهلباوى والصحفى عماد الدين أديب تأتى ثالثةُ الأثافى، وهى مبادرة معصوم مرزوق للمصالحة مع الإخوان فى مطلع أغسطس الماضي، والتى تشتم فى كل بند من بنودها رائحة الإخوان ولون الدم الذى أسالوه وصوت طلقات الرصاص التى أطلقوها وتفجيرات القنابل التى قذفوها فى وجوهنا، إن المبادرة التى كُتبت بليل بمِدَادٍ إخوانى أسود تدعو فى أولى بنودها إلى الدعوة إلى إجراء استفتاء على السياسات التى يتبعها الرئيس عبدالفتاح السيسى بحجة تأثير هذه السياسات السلبى على الطبقات الشعبية، وهو أمرٌ عجيب فى ظل إجراء انتخابات رئاسية مصرية تتسم بكل معايير النزاهة والشفافية، ولم يدعِ إخوانى واحد بأنها مزورة، ولم تجرؤ أية دولة أو نظام مناصر للجماعة أن يطعن فى نزاهة هذه الانتخابات، التى حصل فيها الرئيس على إجماع المصريين، ألم تكن هذه الانتخابات استفتاءً غير مباشر على مجمل سياسات الرئيس فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.
كما أن فكرة العزل السياسى التى طرحتها المبادرة لمن شاركوا فى السلطة والبرلمان منذ عشر سنوات وحل الأحزاب المؤيدة للسلطة إذا كانت نتيجية الاستفتاء سحب الثقة من الرئيس، هى فى حد ذاتها فكرة حمقاء رفضها الإخوان أنفسهم إبان حكمهم، بل وزادوا على ذلك عندما مدوا أيديهم لرموز النظام السابق الذى ثار المصريون عليه وجاءوا بهم فى مناصب الوزراء والمحافظين وغيرها من المناصب القيادية بالدولة، كما أن العزل السياسى لا يجوز أن يُطبق على جماعات وأحزاب بأكملها، لأنه لا يجوز العزل السياسى إلا بحكم قضائى على كل حالة على حدة.
ولعل أغرب ما طرحته المبادرة العفو النهائى عمن يُحاكمون فى قضايا تتصل بالسياسة من عشر سنوات، رغم أن الإخوان يعلمون جيدًا أن قضيتهم مع الدولة ليست سياسية على الإطلاق، فمَن يتخلى عن المعارضة السلمية ويرفع السلاح فى وجه الدولة والوطن فإن قضيته ليست سياسية. إن الإخوان كانوا يريدون استلهام الحالة السورية فى تطبيق مفهوم «المعارضة المسلحة» لإشاعة الحرب الأهلية فى البلاد، وهو ما حمى الله مصر منه بفضل تماسك الشعب والجيش والشرطة فى وجه أعداء الوطن.
لا أعلم كيف طاوعت معصوم مرزوق نفسه، وهو الذى قاتل فى صفوف القوات المسلحة المصرية فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، فى التغاضى عن حمامات الدماء التى أسالتها جماعة الإخوان الإرهابية فى ربوع الوطن، كيف طاوعته نفسه فى التسامح مع الذين رفعوا السلاح فى وجه القوات المسلحة المصرية وزرعوا العبوات الناسفة فى طريق مدرعاتها وآلياتها التى تسير على تراب هذا الوطن، كيف طاوعته نفسه فى غض البصر عما فعلته الأجنحة العسكرية لجماعة الإخوان الإرهابية فى مهاجمة أكمنة الجيش والشرطة بطول البلاد وعرضها.. إن قطرةَ دمٍ واحدة من جندى أو ضابط جيش أو شرطة أو قاضٍ أو مواطن يُصلى لله فى المسجد أو الكنيسة لأعزُ عند الله من جماعةِ الإخوان بأكملها.
إن إعادة دمج الإخوان فى الحياة السياسية هى فكرة مجنونة لا يطرحها عاقل، لأنه فى كل الدول فى مرحلة ما بعد الثورات يوجد ما يسمى بقوانين العدالة الانتقالية، وهى التى تُعاقب كل من ارتكب جريمة أو حرض على الدولة وجيشها وشرطتها وقُضاتها، واستهدف منشآتها، لكن العجيب أن تطرح هذه المبادرة عودة إرهابيى الجماعة مرةً أخرى إلى الحياة السياسية مع إخلاء الساحة لهم لكى ينفردوا بجموع المصريين الذين ثاروا ضدهم يوم 30 يونيو 2013 لكى يذيقوهم صنوف العذاب جراء ما ارتكبته أيديهم ضد الجماعة ومرشدها ورئيسها.
والأدهى والأمر فى المبادرة الدعوة لاجتماعٍ جماهيرى لمناقشةِ المبادرة بميدان التحرير باعتباره ميدانَ الثورة، الثورة التى خانَها الإخوان بحرقِهم أقسامَ الشرطة واقتحامِهم السجون لكى يشوهوا الثورةَ والثوار، الثورة التى سقطَ فيها 840 من أطهر شباب مصر ليس بينهم شابًا إخوانيًا واحدًا برصاصِ قناصةٍ لا يعلمُ ماهيتهم سوى جماعة الشر وسفك الدماء، الثورة التى تركَهَا الإخوان فى الميدان وذهبوا ليتفاوضوا مع عمر سليمان نائب الرئيس الأسبق مبارك لإنشاءِ حزبٍ سياسى يخوضوا به الانتخابات، الثورة التى أنهى الإخوانُ شرعيتَها بعد استيلائهم على مجلسِ الشعب بحجة أن الشرعيةَ للبرلمان وليس للميدان، الثورة التى خانَها الإخوان وأراقوا دماءَ الثوار على سور قصر الاتحادية ورئيسهم يقبعُ داخلَه.
إن ميدانَ التحرير محرمٌ على جماعةِ الإخوان أربعينَ سنةً يتيهون فى الأرض، وعندما يعودُ الإخوان من أرض التيه سوف نسمحُ لهم بدخول الميدان أذلةً مطأطئى رؤوسهم، وليس كما دخلوه أولَ مرة، لكى يُحَاكموا أمام الله وأمام الشعب على كل ما اقترفوه فى حق هذا الشعب وجيشه وشرطته وقضاته ومسلميه ومسيحييه ومساجده وكنائسه لكى ينالوا جزاءَهم العادل بما اقترفتُه أيديهم التى يَقْطُرُ منها دماءُ الشهداء.