بالأمس كنت أشاهد فيلم "عايز حقي" واستوقفني الحوار بين الفنان القدير عبدالمنعم مدبولي والفنان هاني رمزي؛ سخط الأخير متمثلا في شخصية "صابر" الذي يصب غضبه على جيل سبقه قائلا: ما هو إنت مش دريان بحاجة، إنت عايش في غيبوبة.. ما تنزل الشارع وتلف هتلاقي الناس بتكلم نفسها"، انتهى الحوار لكن المشهد متكرر عبارات غضب من البلد وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حالات سخط ربما يكون بعضها له دافعه لكن يبقى السؤال من قال لكم إن الحياة وردية وأن الأحلام هنا سيدق بابكم "بابا نويل" ويطلب منكم تحقيقها؛ للأسف كثر يعلنون الظروف وهم على فراشهم؛ يندبون حظهم وهم لم يبحثوا عن الفرصة؛ أتعرفون نحن بات جميعا لدينا هاجس الغنى وكأن النجاح والتحقق هو فقط في المال؛ فتحولنا إلى تجار نبيع أي شيء ونشتري أي شيء؛ هذا الرجل البسيط أتى بدجال ليقول له أن تحت منزله آثار فحفر وسقط؛ وهذا الطبيب صنع "الكيميا" ووضع يده في يد تاجر مخدرات فقتل العديد من الشباب؛ وهذا تاجر في الأعضاء؛ وذاك في العملة؛ انقلب المجتمع رأسا على عقب؛ لكن أتحداك أن تجلس مع واحد من هؤلاء وتشعر بنشوة النجاح، سيختلق لك القصص عن إصراره وعزيمته وتعبه لكن ستقرأ في عينيه كلمة كذاب؛ ستشعر أن هؤلاء جميعا لخبطوا الأوراق والأرزاق، فالله خلق الكون بميزان هذا غني وهذا فقير وهذا مريض وذاك معافى كل شيء بقدر ليكتمل الاختبار؛ ربما يرى البعض هذا الكلام نظريا لكن "جابر" ذلك الطبيب الريفي رفض عروض الثراء الزائفة؛ رفض أن يتاجر بعلمه؛ وحينما ناقشته قال لي: هل تعرف حكاية الفيلسوف الإغريقي هيراقليطوس مع الملك الفارسي داريوس؟، قلت له لا.. فتابع: كان هيراقليطوس ألف كتابا في الطبيعة؛ وشاع عنه أنه غامض يصعب فهمه حتى استحال على العلماء تفسير ما كتب؛ وربما تعرض هيراقليطوس لهجوم كعادة كل المبدعين والحكماء؛ كذلك الذي يتعرض له في مواضع كثيرة كاتب تلك الحواديت؛ الملك الفارسي كغيره وصله الخبر فأرسل دعوة للفيلسوف الإغريقي ليقابله في قصره للاستفادة من علمه؛ وذيل خطابه بأن أغلب الإغريق لا يميلون إلى تبجيل المبدعين وتكريمهم؛ بل إنهم يتجاهلون مفاهيمهم الراقية وتعليقهم على صور الحياة اليومية؛ وشدد على أنه يضمن له كل المزايا؛ وكان رد هيراقليطوس على قدر علمه فكتب: تحياتي إلى الملك داريوس أما بعد فكل من على وجه الأرض بعيد عن الحق والعدل لأنهم جميعا مفرطون في الحماقة ومتعطشون للشهرة والمجد، أما أنا فلأنني أمقت الشر وأتجنب في كل شيء هذا الإفراط الذي يثير كل الناس؛ ولأنني أجزع من الخيلاء والترف فإنني لا أستطيع أن أذهب إلى بلاد فارس إذ أنني قانع بالقليل طالما يتفق مع فكري.
ومن هنا بدأت الحكاية.. وللحديث بقية.
ومن هنا بدأت الحكاية.. وللحديث بقية.