ما برح يأتي سكان جُدد إلى منطقة حتى نبقى أيام نكتشفهم ونتعرف على طباعهم ثم نتعود و نبدأ توطيد العلاقات المجتمعية معهم ، فنتناسى الانطباعات الأولى واحساس الغربة الذي كان يحيق بمبتدأ الأمر ، فهذا هو السلوك الانسانى الطبيعى ، ولكن ما بالنا بطرفين يعيشان مع بعضهما البعض منذ القرن السابع الميلادى ؟
ذلك الاستهلال لم يأت بعقلى ولم يعبر بأفكارى الا بعد أن رصدت ظاهرة تستحق التمحيق والتدقيق.
فبعد الفتح الاسلامى لمصر أصبح وجود المسيحيين والمسلمين أمرًا واقعًا ولذا كان لابد من التعايش وبالفعل شهد التاريخ للطرفان بمواقف اتحاد كثيرة مارسوا من خلالها أصول المواطنة الفكرية حتى في العصر الحديث وتعايش المصرى ليس فقط مع اختلاف الديانات والطوائف لكن مع كل الجنسيات الأخرى .
أما عن تلك الظاهرة التي استرعت انتباهي وهى مألوفة على مسامعكم ، عندما يحاول طرف اظهار الوحدة الوطنية مغازلا الطرف الأخر فى الحديث قائلا له على سبيل المثال :- "أنا أعز أصحابى مسيحين " ، أنا لا أخشى أن أتى بيتك وأكل من ذبائحك
أو عندما يقف الاثنان قائلاين :-"دا احنا اتربينا مع بعض " !
أو عندما يتصعد الأمر ويخرج من خطاب دينى بنكهة الكراهية للوطن قبل الدين محرمًا التهانى فى عيد ما ردًا على استفسار من مواطن فى عام 2018 ! وكأننا " الجيران الجدد"
هذا مايصلنى الى تلك النقطة الفارقة ، فاذا لم نتجاوز حتى الأن مناقشة الاختلاف وذلك الجدال المستمر ، إذا كان لازالت عقولنا تمر بتلك العملية العقلية التى تفكر فى اختلاف الأخر وتفاوض ذاتها فى تقبله من عدمه، وإذا وجدت صعوبة فى تقبله يأتى الرد العسكى فى المغالاة فى شعارات الوحدة الوطنية ، إذا لم نستطع اليوم تجاوز النقاش من الأساس وتجنبه وعدم ملاحظة حتى اختلاف ديانة أو طائفة الأخر فكيف لنا أن ننتظر فى العقود المقبلة نجاح الاستثمارات ؟ وأقصد هنا الاستثمارات من الجهتين أى استضافة مصر لاستثمارات ينفذها أناس تعتنق ديانات مختلفة أو نذهب نحن فى افريقيا نستثمر بكفاءات الهيئة الهندسية، مثلا فى جنوب افريقيا واثيوبيا إلخ.
أن الوحدة الوطنية أو على المسمى الصحيح لها وهى المواطنة الحقة لا تجعل الشخص يلحظ ديانة الأخر من الأساس ولا يعلق عليها لانها ترتكن فى اللاوعى، ما فائدة تسليط الضوء على ديانة الآخر في العقل والنفس داخليًا في مجال العمل أو المجتمع أو حتى خارج أسرته ؟
أن العملية العقلية الصحيحة لفهم المواطنة وتقبل الآخر بشكل صحى وسليم توفر علينا كثير من المهاترات التى كان لابد من تجاوزها من القرون الأولى وما قبل الوسطى، توفر علينا الكثير من الحوادث الطائفية والجلسات العرفية الرثة المهينة ، تسهل تطبيق القانون و تعضيد سيادة الدولة المدنية مساهمة فى كثير من مناحي الإصلاح الاقتصادى والاستثمارى القادم بلا شك
لن أتغنى بشعارات الحب والإخاء الوطنى التى ليس لها أى معنى بيننا ولن أجعل منها جبيرة تستر الشرخ الفكرى الذى نمارسه جميعًا فى السر ونتفحص الناس حولنا لنفرز من من دينى ومن ليس من ديني وإن لم يظهر من الأسم نحاول التحقق بأى دلالة أخرى!
ولكن سأتكلم بالواقع، ونحن بصدد أمر واقع ، فعلينا أن نحيا جميعًا فى سلام ونتعايش متجاوزين تلك النقطة من الأساس وعدم النقاش فيها ولا طرحها أصلا حتى فى الاعلام فمناقشة البديهات هو أساس السلبيات !
نحن بحاجة لوحدة وطنية "أصلية" وليس تقليد حتى نحافظ على سيادة الدولة المصرية التى تزيد يومًا بعد يومٍ وعلى دستورها وقوانينها الصارمة