تصاعدت وتيرة هجمات جماعة «بوكو حرام» المتشددة، التى أعلنت مبايعتها لتنظيم «داعش» الإرهابى، مع اقتراب انتخابات الرئاسة فى نيجيريا، ما أثار مخاوف واسعة من احتمال تطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة أن تلك الدولة الأفريقية تشهد أيضا أزمات اقتصادية واجتماعية لا حصر لها، وأحداثا طائفية بين المسلمين والمسيحيين من حين لآخر.
ولعل ما يزيد المشهد تعقيدا، أن الرئيس النيجيرى الحالى محمد بخاري، الذى تولى السلطة فى 2015، كان تعهد فى بداية ولايته، بوضع حد لهجمات «بوكو حرام» فى شمال البلاد ذى الأغلبية المسلمة، إلا أنه لم ينجح كسابقيه فى تحقيق هذا الأمر.
وجاء إعلان بخاري، البالغ من العمر 75 عاما، فى 9 أبريل الماضي، عن ترشحه لولاية ثانية فى الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها فى فبراير 2019، ليزيد المخاوف من احتمال تصاعد وتيرة العنف فى البلاد، حتى موعد الانتخابات، خاصة أنه لم يعد فى جعبته فيما يبدو من خيارات، لمواجهة «بوكو حرام»، فى ظل تدنى شعبيته، واتهام المعارضة له، بأنه غير مناسب لمنصب الرئاسة، وأن إدارته تعانى من القصور الذاتي، وذلك بعد قضائه إجازة مرضية لمدة ثلاثة أشهر فى بريطانيا العام الماضى؛ حيث عولج من مرض غير معروف.
وفيما شدد بخارى مرارا على أن «وحدة نيجيريا ثابتة، وغير قابلة للتفاوض، وأن محاربة الفساد والإرهاب لا هوادة فيهما»، إلا أنه يقترب من نهاية رئاسته، وهو يواجه اتهامات أيضا بأن البلاد مهددة بشدة، وعرضة للتفتيت، بعد أن شهدت مناطق عديدة فيها خلال ٢٠١٧، توترات عرقية، وسط دعوات إلى انفصال ولاية بيافرا «جنوب شرق»، ودلتا النيجر «جنوبا»، الغنية بالنفط، بالإضافة إلى إصرار «بوكو حرام» على إقامة ما تسميها «دولة إسلامية» فى شمال شرقى البلاد.
وتعد نيجيريا، الدولة الأكثر تعدادا فى أفريقيا، حيث يصل عدد سكانها إلى ١٨٠ مليونا ينقسمون بشكل متساو تقريبا بين مسلمين ومسيحيين، بالإضافة إلى نحو ٢٠٠ جماعة عرقية مختلفة.
وفى ٢١ أغسطس ٢٠١٧، قال بخاري، فى أول خطاب له منذ عودته للبلاد بعد رحلة علاجية فى بريطانيا، إن الانفصاليين فى ولاية «بيافرا» تجاوزوا الخط الأحمر بدعوتهم لتقسيم نيجيريا، مضيفا أن بعض أعمال العنف العرقية «يغذيها صناع الأذى السياسى».
وكان بخارى، وهو مسلم ينحدر من شمال البلاد، قام خلال فترة علاجه فى بريطانيا بتسليم السلطة بشكل مؤقت لنائبه يمى أوسينباجو، المسيحى الذى ينحدر من جنوب البلاد، وحينها تجددت الدعوات لانفصال ولاية بيافرا، فيما طالب مسلمون بطرد سكان من عرقية «إيجبو» من شمال البلاد، بسبب دعوتهم لإقامة دولة مستقلة فى بيافرا، ذات الأغلبية المسيحية، ما أعاد إلى الذاكرة الاحتقان الطائفى والعرقي، الذى سبق الحرب الأهلية، التى سببها انفصال بيافرا فى ٣٠ مايو عام ١٩٦٧، وتسببت حينها بمقتل نحو مليون شخص، قبل بانتصار الجيش النيجيرى على الانفصاليين عام ١٩٧٠.
وتدعى عرقية «إيجبو»، التى تشكل الغالبية فى جنوب شرقى نيجيريا، أنها تعرضت للتهميش لسنوات طويلة، وأنهم محرومون من مزايا اقتصادية وسياسية، يهيمن عليها الهاوسا والفولانى واليوروبا، المجموعات العرقية الكبرى الأخرى فى البلاد.
وبعد حوالى ٥٠ عاما من الحرب الأهلية، عادت فكرة الانفصال مجددا على يد «حركة الشعوب الأصلية لبيافرا» و«حركة إقامة دولة بيافرا السيادية»، اللتين تطالبان باستفتاء حول حق تقرير المصير، وتتهمان محمد بخاري، بممارسة قمع عنيف ضد حريتهم فى التعبير، بعد سجن زعيم «حركة الشعوب الأصلية لبيافرا» نامدى كانو، بتهمة الخيانة، نهاية ٢٠١٥، وما أعقب ذلك، من تصاعد دعوات الانفصال، فيما حذر نائب الرئيس النيجيرى يمى أوسينباجو فى ٢٨ مايو ٢٠١٧، من خطر التفكك، فى بلد يضم حوالى ٢٥٠ مجموعة عرقية، ومقسم بين الشمال المسلم، والجنوب المسيحي.
وبالتزامن مع تجدد دعوات الانفصال فى بيافرا، أعلنت جماعة «منتقمو دلتا النيجر» المتمردة فى منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط فى جنوب نيجيريا، فى ٣ نوفمبر ٢٠١٧، إنهاء هدنة مع الحكومة.
ونقلت «رويترز» حينها عن الجماعة القول فى بيان على موقعها الإلكترونى: «نؤكد لكم أن كل منشأة نفطية فى منطقتنا ستشعر بلهيب غضب منتقمى دلتا النيجر».
وتسببت الهجمات التي شنها متمردون على منشآت نفطية فى دلتا النيجر خلال ٢٠١٦ فى تراجع إنتاج نيجيريا من النفط إلى أدنى مستوياته فى ٣٠ عاما على الأقل.
توحش «بوكو حرام»
لم تقف الكوارث عند ما سبق، إذ ازدادت هجمات «بوكو حرام» توحشا منذ أواخر ٢٠١٧، مستغلة التطورات السابقة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية فى البلاد، ففى ٢٣ أكتوبر ٢٠١٧، لقى ١٣ شخصا على الأقل مصرعهم، وأصيب عشرات آخرون فى ثلاث هجمات انتحارية نفذتها نساء فى مدينة مايدوغورى عاصمة ولاية بورنو بشمال شرقى نيجيريا، واستهدف التفجير الأول مطعما صغيرا، بينما استهدف الثانى مدخل مخيم للاجئين، أما الانتحارية الثالثة، فلم يعمل حزامها بشكل كامل.
وفى أواخر فبراير ٢٠١٨، خطفت الجماعة ١١١ تلميذة فى بلدة دابشى الواقعة بولاية يوبى فى شمال شرقى نيجيريا، وفى ٢٣ يوليو الماضي، لقى ثمانية أشخاص مصرعهم، فى تفجير هز مسجدا بمنطقة مينارى فى بلدة كوندوغا فى ولاية بورنو فى شمال شرقى البلاد أيضا.
ونقلت «فرانس برس» حينها عن إبراهيم ليمان هو من المتطوعين المدنيين المسلحين، الذين يساعدون الجيش النيجيرى فى الحرب ضد «بوكو حرام»، قوله: «إن انتحاريا فجر نفسه فى المصلين أثناء صلاة الفجر».
وأضاف ليمان أن الانتحارى وهو فى أوائل العشرينات، دخل إلى المسجد أثناء الصلاة وفجر نفسه، ليقتل ثمانية مصلين ويصيب خمسة آخرين بجروح، وتابع «الانتحارى تسلل بين المصلين مثل واحد منهم، ولم يكن هناك سبيل على الإطلاق أن يعرف أحد بمهمته».
وجاء تفجير المسجد فى إطار استراتيجية جديدة لجأت إليها الجماعة قبل شهور قليلة من انتخابات الرئاسة، إذ زادت من وتيرة استهداف أهداف مدنية سهلة مثل المساجد والأسواق ومحطات الحافلات، بالتزامن مع استهداف القوات الحكومية، لإحداث أكبر قدر من «الترويع والشو الإعلامى»، ففى مطلع سبتمبر الجارى، كشف مصدر عسكرى نيجيرى، أن «بوكو حرام»، قتلت ٣٠ جنديا على الأقل، فى هجوم على قاعدة عسكرية فى شمال شرقى البلاد.
ونقلت «فرانس برس» عن المصدر، قوله: «خسرنا ٣٠ عنصرا على الأقل فى معارك مع إرهابيى بوكو حرام هاجموا قواتنا فى منطقة زارى فى شمال شرقى البلاد».
وأضاف «وصل الإرهابيون بأعداد كبيرة فى شاحنات وكانوا مزودين بأسلحة ثقيلة.. خاضوا معركة مع الجنود استمرت ساعة.. قوة الهجوم كانت شديدة إلى درجة اضطرت القوات إلى التراجع مؤقتا، قبل وصول التعزيزات البرية والجوية، وإيقاع خسائر كبيرة للغاية فى صفوف بوكو حرام». وفى ١٩ يوليو الماضي، قتل ١١ جنديا وثلاثة مدنيين أيضا فى هجوم شنته «بوكو حرام»، على موقع عسكرى فى شمال شرقى نيجيريا.
ونقلت «فرانس برس» حينها عن مصادر عسكرية نيجيرية، قولها حينها إن مسلحين من «بوكو حرام» وصلوا فى شاحنات وعلى دراجات نارية وشنوا هجوما بالمتفجرات على موقع عسكرى فى قرية بونارى بولاية بورنو.
وتابعت المصادر أن ثلاثة مدنيين، بينهم امرأة وطفل كانوا فى مكان مجاور قتلوا خلال تبادل النيران بين المهاجمين والجنود فى الموقع العسكري.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن «الإرهابيين استولوا على أربع آليات عسكرية، بينها مدرعة وشاحنة محملة بالأسلحة».
وبالنظر إلى إصرار هذه الجماعة المتشددة على إقامة ما تسميه دولة إسلامية فى شمال شرقى نيجيريا، فإن هناك تحذيرات من أنها لن تتوانى عن فعل أى شيء لتحقيق مخططها، خاصة بعد انضمامها لداعش.
ولعل إلقاء نظرة على تطور هذه الجماعة يزيد من قتامة الصورة، فهى تأسست فى يناير ٢٠٠٢، على يد شخص يدعى محمد يوسف، والذى تأثر حينها بحركة «طالبان أفغانستان».
ودعا يوسف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والتخلى عن التعليم الغربي، ويتكون اسم «بوكوحرام» من كلمتين، الأولى «بوكو»، وتعنى باللغة الهوساوية المحلية «التعليم الغربي»، و«حرام»، وهى كلمة عربية، أى أن «بوكوحرام»، تعنى «منع التعليم الغربي».
وفى ١٦ أغسطس ٢٠٠٩، أعلنت الجماعة رسميا الالتحاق بتنظيم القاعدة، متعهدة بشن سلسلة من التفجيرات فى شمالى البلاد وجنوبها، ما يجعل نيجيريا مستعصية على الحكم، حسب زعمها.
وفى مارس ٢٠١٥، تخلت «بوكو حرام» عن الالتحاق بالقاعدة، وأعلنت مبايعة تنظيم داعش، وغيرت اسمها إلى ولاية غرب أفريقيا، وتردد فيما بعد أنها شهدت انشقاقات، بعد إعلان «داعش» عن تفضيله «أبومصعب البرناوي»، وتعيينه أميرا للجماعة، بدلا من زعيمها السابق أبوبكر شيكاو، الذى تولى منصبه، بعد مقتل زعيمها التاريخى محمد يوسف، على يد قوات الأمن فى العام ٢٠٠٩.
وتسبب تمرد «بوكو حرام»، المستمر منذ ٢٠٠٩، فى شمال شرقى نيجيريا، فى سقوط ٢٠ ألف قتيل على الأقل، بالإضافة إلى تشريد حوالى ٦.٢ مليون شخص، كما شنت الجماعة هجمات فى دول تشاد والنيجر والكاميرون المجاورة.
ورغم الضربات الموجعة، التى تلقتها هذه الجماعة على أيدى القوات النيجيرية طيلة السنوات الماضية، وفقدانها الكثير من عناصرها بين قتلى ومعتقلين، إلا أن هناك أمورا تصب فى صالحها، أبرزها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة فى البلاد، وأيضا وجود أقليات مسيحية فى الشمال ذى الأغلبية المسلمة وأقليات مسلمة فى الجنوب ذى الأغلبية المسيحية، وما يترافق مع ذلك من أعمال عنف طائفى بين الفينة والأخرى، ما يوفر لها فرصة لتجنيد متطرفين جدد، وتعويض بعض خسائرها، ولذا، فإن القضاء عليها، سيكون عبر معالجة الإشكاليات السابقة من جذورها.