ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي الوقت الذي نشبت فيه خلافات عديدة بين بعض الفنانين حول لقب الأول من ناحية إيرادات أفلام عيد الأضحى المبارك، تذكرت ذلك الصراع الذي كان يدور بين نجوم السينما في نهاية التسعينات من القرن الماضي ومع بداية حقبة الألفينات.
في تلك الفترة ظهر على الساحة مجموعة كبيرة من النجوم أفرزتهم التجربة الناجحة لفيلم "إسماعيلية رايح جاي" ومن بعدها فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وأصبح السوق السينمائي متعطشًا لوجود جيل جديد من النجوم أنعش السينما مرة أخرى وأعاد لها جمهورها الذي كان قاب قوسين أو أدنى من هجرها.
هؤلاء النجوم الذين يحلو للوسط الفني والإعلامي وصفهم بـ"جيل هنيدي" نسبة على النجم محمد هنيدي الذي بدأ النجاح ثم توالت نجاحات باقي زملائه، جميعهم كانت تربطهم علاقة صداقة قوية، ولا أتذكر وقوع أى خلافات بينهم سوى النادر منها، يذهبون لمشاهدة أعمال بعضهم البعض، يجتمعون كثيرًا فى أعمال مسرحية رغم وجودهم كمنافسين في السينما، ولكن بمرور الوقت دب صراعًا خفيًا بينهم أعتقد أن بطله كان شركات الإنتاج والتوزيع، هذا الصراع كان يتلخص فيمن يبدأ سباق الأفلام بالعرض أولًا، وخاصة في الموسم الصيفي الذي كان يتضمن العديد من أفلام هؤلاء النجوم، وذلك أملًا في الحصول على نسبة من إيرادات الشباك أكثر من باقي زملائه.
ذكرني بهذا الصراع الفنان هاني رمزي حينما تذكرنا الفنان الراحل علاء ولي الدين الذي حلت ذكرى رحيله في أول أيام عيد الأضحى، وأكد لي هاني أن هذا الصراع لم يقلل أبدًا من حالة الود والمحبة التي كانت تسود علاقاتهم، ولكن شركات الإنتاج والتوزيع كانت ترغب في حصد أعلى الإيرادات بالنسبة لأفلامهم، ولم تحدث واقعة خلاف واحدة بين هؤلاء النجوم، ولم يخرج أحدهم ليعلن أنه الأول على حساب باقي زملائه، وكان الجميع يحتكم دائمًا لمكان شرعي تخرج منه الإيرادات وهو غرفة صناعة السينما، كما أن من حسن حظهم – حتى تبقى علاقاتهم قوية – لم يكن هناك غولًا اسمه "السويشال ميديا".
مرت الأيام وكان الوسط الفني في ذلك الحين يعلم حقيقة هذا الصراع الخفي الذي لم يتحول مطلقًا لصراع علني أمام الجميع، وفي يوم عزاء الفنان الراحل علاء ولي الدين، وقف الكاتب الكبير وحيد حامد وسط العزاء الذي كان يحضره كل أصدقاء علاء من النجوم، وصرخ فيهم وحيد حامد قائلًا: دلوقتي مين نزل الأول ؟، في إشارة لما كان يحدث سابقًا من صراع حول من سيعرض فيلمه أولًا قبل زميله، لتقع هذه الكلمة على الجميع كالصاعقة، فالحياة قصيرة ولا تستدعي كل هذا التناحر، فمن ينزل أولًا سيأخذ نصيبه من إعجاب الجمهور ومن ينزل أخيرًا من المؤكد أنه سيأخذ نصيبه أيضًا، هكذا الحال بالنسبة للصراع حول لقب "نمبر وان" الذي دار مؤخرًا بين فيلمي "الديزل" و"البدلة"، فقد يكون أحدهم هو الأول لكن من المؤكد أن صاحب الفيلم الثاني له جمهوره الذي ينتظر أفلامه.
وعن نفسي حينما تذكرت ما كان يحدث أيام جيل هنيدي وضعت نصب عيني التعامل بمهنية مع مشكلة محمد رمضان والمنتج وليد منصور، عسى أن تعود العلاقة الطيبة بينهما، وأن يترك الاثنان الجمهور يمنح كل منهما حقه، وأن تعود غرفة صناعة السينما لتفعيل دورها الأصيل وهو طرح إيرادات الأفلام للجميع بكل شفافية، وأن يتذكر الجميع كلمة وحيد حامد في عزاء علاء ولي الدين.