تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
وكأنهم أرادوها رسالة عاجلة للرد على تعيين أول امرأة مسيحية كمحافظ لدمياط «المهندسة منال عوض ميخائيل»، وزميلها المصرى «الدكتور كمال جاد شاروبيم» محافظا للدقهلية، فكان الاعتداء على مصريين مسيحيين أثناء صلاتهم بإحدى الكنائس التى تنتظر توفيق أوضاعها بقرية «دمشاو هاشم»، التابعة لمركز المنيا، صباح اليوم التالى لصدور حركة المحافظين الجدد.
صحيح أن تدبير الاعتداء والتخطيط له سبق الإعلان عن حركة المحافظين، لكن الأمر بدا وكأن جنرالات شريعة الغاب أباطرة التسلف والصلف الدينى يخرجون ألسنتهم لدولة الثلاثين من يونيو؛ لأنها اجترأت على إرساء مبادئ المواطنة وقواعد الدولة المدنية الحديثة، دولة القانون.
أصداء نجاح السلفيين والمتطرفين فى منع محافظين مسيحيين من أداء عملهما بمحافظة قنا، وهما اللواءان مجدى أيوب إسكندر وعماد شحاتة ميخائيل، أثناء تولى المجلس العسكرى مقاليد الأمور فى البلاد، لا تزال تتردد فى جنبات مراكز وقرى ونجوع الصعيد.
فبين الحين والآخر نطالع أنباء عن قيام متطرفين بالهجوم على مسيحيين أثناء أدائهم الصلاة، وتدمير منازلهم، وتهجيرهم قصرا، وكانت أبشع الحوادث تلك التى شهدتها قرية «الكرم» التابعة لمركز قرقاص، قبل ما يزيد على عامين، عندما هاجم متطرفون منزل سيدة مسنة تدعى سعاد ثابت وقاموا بتعريتها وتدمير منزلها ومنازل أخرى بعد إطلاق شائعة عن تورط ابنها فى علاقة غير مشروعة مع إحدى سيدات القرية.
أغلب تلك الوقائع تمت تصفيتها على «مصطبة» الجلسات العرفية، رغم ما انطوت عليه من جرائم اعتداء مسلح وسلب ونهب وتدمير منازل، لذلك ليس من المستغرب أن تتكرر تلك الحوادث وبصور أبشع، فقد غابت دولة القانون.
فى قرية «دمشاو هاشم» لم يكتف المجرمون بالاعتداء على المصلين الآمنين وإلحاق الضرر بمصلاهم، فقد هاجموا أربعة منازل قاموا بتدميرها وسلب ونهب محتوياتها، وكأنها غنيمة حرب، وهى كذلك بالفعل بالنسبة لهم.
هذا التطور ليس الأول من نوعه، لكن تكراره بصورة أكثر فجاجة وبشاعة جعل الأمر يبدو وكأنه الأسلوب الذى سيتبع بشكل منظم وممنهج فى المرات القادمة.
نعم ستتكرر هذه الجريمة الإرهابية، وستكون أكثر عنفا وقذارة، طالما أن النهاية باتت معروفة للجميع مسبقا.
مثل هذه الجرائم الإرهابية ليست جديدة على قرى الصعيد، وبعض قرى الوجه البحري، لكنها وبحسب الكاتب الصحفى نادر شكرى المتخصص فى الشأن المسيحي، قد تزايدت خلال العامين الأخيرين، خاصة بعد تشكيل لجنة توثيق وتقنين أوضاع الكنائس؛ حيث يسعى المحرض الأساسى على تلك الجرائم إلى إرهاب أجهزة الدولة ومنعها من أداء عملها من خلال إثارة أحداث العنف والشغب فى عدة أماكن على نحو يثير القلق والمخاوف من وقوع أحداث عنف طائفية فى حال تقنين هذه الكنيسة أو تلك.
إذا كانت دولة الثلاثين من يونيو جادة فى بناء قواعد دولة القانون والمواطنة، فعليها أولا أن تسأل نفسها: ماذا قدمت الجلسات العرفية فى حل هذا النوع من القضايا الحساسة؟!
هل أفضت إلى نتائج اجتماعية وثقافية، بل وحتى أمنية مرضية؟! بمعنى هل ساهمت تلك الجلسات فى إشاعة ثقافة التسامح وقبول الآخر الدينى والحيلولة دون وقوع حوادث طائفية؟!
الإفلات من العقاب ومن ثم المبالغة فى إساءة الأدب النتيجة الوحيدة لجلسات الصلح العرفية التى كان أحد ثمارها أيضا انتقال العدوى بمرض الكراهية للآخر من قرية إلى أخرى.
هناك أصوات دينية توصف خطأً بالمعتدلة، تلوم المسيحيين على إقامة شعائرهم داخل كنائس غير مرخص لها، وهى حجة باطلة تسعى لتبرير تلك الاعتداءات الإرهابية؛ فليس من شأن أحد منع شخص من الصلاة فى أى مكان إلا الدولة وبقوة القانون.
بالمناسبة السيدة سعاد ثابت التى تمت تعريتها لم تحصل على حقها من الجانى حتى الآن رغم فظاعة ووحشية الجرم الذى تعرضت له.
ليس من سبيل للقضاء على هذه الجرائم الإرهابية التى تحولت إلى ظاهرة فى بعض محافظات الصعيد سوى إشهار سيف دولة القانون ومحاكمة الجناة كإرهابيين، وإن لم يكونوا أعضاء فى تنظيم أو جماعة إرهابية، فهل من المنطقى توصيف جريمة اعتداء على مصلين آمنين وإرهابهم فى مصلاهم، وتدمير ونهب بيوتهم كجريمة جنائية؟! إذا لم يكن ذلك عين الإرهاب فما إذًا الإرهاب؟!
تفجير كنيسة أو مسجد بعبوة ناسفة مساوٍ تماما لبث الرعب والخوف فى نفوس الآمنين داخل كنائسهم وبيوتهم.
استمرار اللجوء إلى جلسات الصلح العرفية يضع دولة القانون فى محنة حقيقية، ويهدد قواعدها التى ما لبثت تقام، ويقينى أن محافظى دمياط والدقهلية سيذهبان إلى الجلسات العرفية إذا وقع فى إحدى القرى التابعة لهما حوادث مشابهة، خوفا من اتهامهما بالانحياز الطائفي، لو حدث هذا لا قدر الله ستكون جماعة الإخوان الإرهابية وأذنابها قد انتصرت انتصارا كبيرا فى حربها على الدولة والثقافة والهوية المصرية.
لا بديل عن سيف القانون الباطش لمنع هذه الجرائم، تماما كما أن الجيش المصرى يستخدم القوة الباطشة فى العملية «سيناء 2018»، ولا وقت لدينا لانتظار حملات التوعية، فحتى مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى هناك من يحاربها ويحول دون البدء فى مشوارها الطويل.