إنه لأمر حسن أن تصدر فتوى بتحريم التحرش، وتأثيم فاعله.. لكن هل بات البعض على هذه الأرض فى حاجة لهذه الفتوى ليمتنع عن إيذاء إنسان بالتلميح أو التصريح فضلاً عن الفعل المشين.. هل بات مجتمعنا فى حاجة إلى تذكيره ببشاعة هذا الجرم الذى تعافه الضواري، هل وصلنا للدرجة التى نسمع فيها أو نقرأ أن أحدًا تحرش بامرأة فصار نجمًا، أو أن أحدهم منع متحرشًا عن رذيلته فكان نصيبه الضرب أو القتل، كيف يتناسى بعضنا أن المرأة أم وأخت وابنة وحبيبة وأصل الحياة وسرها البهي؟!
وبما أن المرأة هى الأم والأخت والابنة والحبيبة والملهمة وأصل الحياة وسرها، وبما أن حظها من التهميش والقمع والإساءة كان ولايزال وافرًا فلم يهمش شاعر حقيقى المرأة، ولم يتجاهل دورها الحيوى على هذه الأرض وليس هناك شاعر خلده التاريخ إلا واقترن اسمه بامرأة.
ففى الوقت الذى كان فيه العالم القديم ينظر للمرأة باحتقار فأهل العصر الجاهلى وأدوها. وحرمتها شريعة «مانو» الهندية من التملك وكانت تحرق حية مع زوجها يوم موته وذكرتها شريعتهم: «ليس الموت والريح والجحيم والسم والأفاعى والنار أسوأ من المرأة». واستعبدها اليونان فكانت لديهم مجرد سلعة تباع وتشترى.
وأذلها الرومان بـ«اتفاق» منح للرجل حق السيادة عليها إذا تزوجها، ولم يكن لها الحق فى التصرف فى أى شيء لأنها من وجهة نظر أهل هذا العصر ليست مؤهلة للتصرف فيما تملك، واعتبرها مجتمع روما: «رجس ويجب ألا تأكل اللحم وألا تضحك ولا تتكلم وكل وقتها للخدمة».
وكان اليابانيون قديمًا يحلقون شعرها ويجبرونها على إظهار الحزن والبؤس بعد وفاة زوجها، وسمح القانون الإنجليزى للرجل أن يبيع زوجته، وأعلنت الثورة الفرنسية تحرير الإنسان وتجاهلت المرأة ونص قانون الدولة على أنها ليست أهلاً للتعاقد دون موافقة وليُها إن كانت غير متزوجة.
وحكم عليها العرب حسب شكلها ومدى جمالها أو قبحها فقد قيل لأعرابي: صف لنا شر النساء فقال: «شرهن ناحفة الجسم، القليلة اللحم، المحياض، الممراض، المصفرة المبشومة، العسرة المشؤمة، كأن لسانها حربة، تبكى من غير سبب، وتدعو على زوجها بالحب، عرقوبها حديد، منتفخة الوريد، كلامها وعيد وصوتها شديد، تدفن الحسنات، وتفشى السيئات، تعين الزمان على زوجها، ولا تعين زوجها على الزمان، إذا دخل خرجت وإذا خرج دخلت، وإن ضحك بكت، وإن بكى ضحكت، تبكى وهى ظالمة، وتشهد وهى غائبة».
لم ينصف هذه المخلوقة الرقيقة التى لا يكون للحياة معنى بدونها سوى الشعراء على مر العصور فهم وحدهم الذين عرفوا قيمتها وقدروها حق قدرها، فوصفها المتنبى مختصرا المرأة فى محبوبته قائلاً:
«نشرت ثلاث ذوائب من شعرها / فى ليلة فرأيت ليالى أربعا / واستقبلت قمر الزمان بوجهها / فأرتنى القمرين فى وقت معًا»
ويقول مجنون ليلى قيس بن ذريح حينما ارتحلت حبيبته وهو يقبل أثر بعيرها: «وما أحببتُ أرضكم ولكن/ أقبل أثرَ من وطئ الترابا/ لقد لاقيتُ من كلفٍ بلبنى/ بلاء ما أسيغُ له الشرابا/ إذا نادى المنادى باسم لبنى/ عييتُ فلا أطيق له جوابا»
ويقال إنه عندما اشتد على قيس الوجد والعشق اصطحبه والده إلى الكعبة لعله بدعائه هناك يبرأ من حب ليلى، ولما طلب منه أبوه أن يتعلق بأستار الكعبة ويدعو الله الفرج، وقف قيس صارخًا (اللهم زدنى لليلى حبًا وبها كلفًا ولا تُنسنى ذكرها أبدًا ولا تشغلنى عنها) فاستهجنت الجموع ما يدعو به قيس وقاموا بضربه وإخراجه من الحرم وأخذ يردد بصوت واهن ناظرا إلى السماء وهو محمول على أعناق الرجال: «ها أنت سمعت.. ها أنت رأيت»
ويُحكى أن شاعرًا حكيمًا قيل له: إن ابنك قد عـشق، فـقال: الحمد لله. الآن رقت حواشيه، ولطفت معانيه، وملحـت إشاراته، وظرفت حركاته، وحسـنت عباراته، وجادت رسائله، وجلت شمائله، فواظب المليح، وجـنب القبيح.
وسُـئل آخر: هل سلم أحد من العشق؟ فقال: نعم. الجلف الجافى الذى ليس له فضل ولا عـنده فهم.