السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ألعاب إخوانية خَطِرَة: لُعْبَةُ المُصَالحَة..! «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عجيبٌ أمرُ من يُطلقون بين الحين والآخر دعوات المصالحة مع جماعة «الإخوان» الإرهابية متجاهلين كل حقائق التاريخ البعيد والقريب والمعاصر الماثلة للعيون على أرض الواقع، والتى لا يراها سوى مَن يفتقدون البصر والبصيرة السياسية ويعتقدون أن المياه لا تجرى فى البحر مرتيْن وأن إخوان اليوم غير إخوان الأمس؛ فالتاريخ يقول إنه بعد قيام الجماعة باغتيال محمود فهمى النقراشى (باشا) رئيس وزراء مصر والقاضى أحمد الخازندار فى أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حدث نوعٌ من المصالحة بين عبد الناصر وقادة ثورة 23 يوليو 1952، وأصبح لهم صوتٌ مسموع لدى مجلس قيادة الثورة، وظنوا أنهم قادرون على أن يفرضوا على قادة الجيش الثائرين رؤاهم وسياساتهم فى التعامل مع الأمور، وعندما تصدى لهم عبدالناصر، فما كان منهم إلا أن حاولوا اغتياله فى حادث المنشية الشهير بالإسكندرية عام 1954 للتخلص منه والوصول إلى قمة هرم السلطة فى البلاد.
وبعد هذا الحادث، تم القبض على مئات الإخوان، إلا أن عبدالناصر خفف قبضته عليهم مرةً أخرى عسى أن ينصلح حالهم، فما كان منهم إلا أنهم كانوا يخططون لإسقاط الدولة من خلال مخطط رسمه سيد قطب بُغية الاستيلاء على السلطة وإبعاد عبدالناصر ورفاقه من قادة ثورة يوليو من على قمتها، وهو ما أدى إلى الزج بعدد كبير منهم فى السجون والمعتقلات جراء ما ارتكبته أيديهم، وهو ما تسبب فى الخصومة التاريخية بين الإخوان وناصر، وهو ما ظهر جليًا حين قال محمد مرسى فى خطاب تنصيبه رئيسًا بميدان التحرير: «الستينات وما أدراك ما الستينات».
وعندما تولى الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة البلاد، ومع علمه بكل التاريخ الأسود للإخوان، إلا أنه كان يواجه أوقاتًا صعبة وعصيبة مع اليساريين والناصريين فى النقابات العمالية والجامعات؛ فتصالح مع الإخوان وأخرجهم من السجون ليتصدوا لمعارضيه باسم الدين، فما كان منهم إلا أن أمرهم قد استفحل، وقاموا بتفريخ تنظيمات أخرى متطرفة، وتم اغتيال الشيخ الذهبي، بل انتهى الأمر باغتيال السادات نفسه الذى تصالح معهم ومنحهم فرصة لم يكونوا يحلمون بها بالخروج إلى النور والعمل العام.
ولم يحصل الإخوان على مكاسب مثلما حصلوا عليها فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فقد استولوا على النقابات وأنشأوا المستشفيات والمستوصفات ليستقطبوا عامة المصريين ليوم قد يحتاجون فيه إليهم لكى يصلوا إلى سُدة الحكم فى مصر، ودخلوا مجلس الشعب مرة تحت عباءة حزب العمل ومرة تحت عباءة الوفد ومرة ثالثة كمستقلين عام 2005، وهى المرة التى حصلوا فيها على أكبر عدد مقاعد فى البرلمان فى تاريخهم حتى ذلك الحين، ولم يكونوا يمانعون مع كل هذه الامتيازات التى سمح لهم مبارك بها فى أن يورث مبارك الحكم لابنه جمال، ورغم ذلك كله فإنهم انقلبوا على مبارك عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011، وخاصةً عندما أيقنوا بسقوط نظامه يوم جمعة الغضب، حيث أعلن مكتب الإرشاد الانضمام إلى الثورة واللحاق بها بعدما أعرضوا عنها عند الدعوة إليها.
وعندما تصالح ثوار يناير مع الإخوان وقبلوهم كفصيل وطنى وسمحوا لهم بالانضمام إليهم فى ميدان التحرير، فما كان من الإخوان إلا أن انقلبوا عليهم وباعوهم على مائدة المفاوضات مع اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية وقتها مقابل أن يكون لهم حزبٌ سياسى واعتراف الدولة بهم وعدم ملاحقة محمد مرسى ورفاقه الذين فروا من سجن وادى النطرون، بل إن مرسى نفسه جلس على مائدة المفاوضات مع اللواء عمر سليمان ممثلًا لجماعة الإخوان، واستمر الإخوان فى خِسَتهم ونذالتهم ومضوا فى تأسيس حزبهم السياسي، وسحبوا الشرعية من الثوار بعد حصولهم على الأغلبية فى الانتخابات لتصبح «الشرعية للبرلمان وليست للميدان». ولم يكتفِ الإخوان بخيانة الثوار، بل أراقوا دماء الثوار بدمٍ بارد على أسوار قصر الاتحادية ومرسى يقبع فى مَكْمَنِه داخله، رغم أنهم كانوا شركاء الثورة بالأمس القريب؛ الثورة التى امتطوها ليصعدوا إلى قمة السلطة فى مصر..!.
وعندما حاول الإخوان أن يقنعوا الشعب المصرى ويتصالحوا معه بعد ثورة يناير، وقالوا إنهم لمصلحة هذا الشعب لن ينافسوا على الانتخابات الرئاسية ولن يقدموا مرشحًا رئاسيًا وعزلوا عبدالمنعم أبوالفتوح لإعلانه الترشح دون رغبة الجماعة ومكتب إرشادها، وأنهم لن ينافسوا سوى على ثلث مقاعد مجلس الشعب، بل إنهم تصالحوا مع الأحزاب السياسية وكونوا ما يسمى بـ «التحالف الديمقراطي» لإتاحة الفرصة لمختلف القوى السياسية للانضمام إليه بحجة أن مصر تحتاج إلى تكاتف جميع أبنائها، وعندما جد الجد انقلب الإخوان على الشعب والأحزاب ونسوا كل وعودهم بالتوافق وشعار «مشاركة لا مغالبة» الذى أطلقوه وقتها، فقدموا مرشحيْن للانتخابات الرئاسية وليس مرشحًا واحدًا، وعند توزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية على أحزاب «التحالف الديمقراطي» تراجعوا فى وعودهم مع معظم الأحزاب السياسية التى انسحبت من التحالف الديمقراطى دون أن يكون لديهم الوقت للدعاية الانتخابية مكتفين بالدعاية للتحالف الديمقراطى الذى أنشأه الإخوان، وقاموا من خلاله بأكبر عملية نصب سياسى فى التاريخ، وقدموا مرشحين على كل مقاعد المجلس، ليضمنوا عدم وجود فرصة للأحزاب المختلفة للدعاية الانتخابية، ليحققوا الأغلبية المرجوة فى المجلس بعد الانتخابات.
ورغم التقارب بين الإخوان وقادة الجيش الذين قاموا بـ «حركة الجيش» فى 23 يوليو 1952، وإطلاقهم كلمة «المباركة» على هذه الحركة عقب قيامها، وسعيهم لحكم البلاد بعد عودة الجيش إلى ثكناته، إلا أنهم انقلبوا على عبد الناصر وحاولوا اغتياله، وعقب ثورة يناير وتولى «المجلس العسكري» بقيادة المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع الأسبق إدارة المرحلة الانتقالية أعاد الإخوان الكَرَة مرةً أخرى، حيث كان الإخوان يتقربون من المجلس العسكرى ويحرصون على التفاهم معه فى كل صغيرة وكبيرة فى تفاصيل المرحلة الانتقالية، وتجسد ذلك بجلاء فى هتاف الإخوان للمجلس العسكرى وللمشير طنطاوى فى ميدان التحرير «يا مشير.. أنت الأمير»، ثم سرعان ما انقلب الإخوان على المشير والمجلس العسكرى، بل والقوات المسلحة المصرية برمتها عندما بدأوا يهتفون ضدها «يسقط.. يسقط.. حكم العسكر»، لكى يُسرعوا الخُطى بالمرحلة الانتقالية ليستولوا على السلطة، غير آبهين بأنه لولا القوات المسلحة المصرية لسقطت البلاد فى براثن الفوضى والانفلات، مثلما حدث فى دولٍ عربية أخرى، وأنه لولا القوات المسلحة المصرية وانحيازها إلى الشعب لم تكن لتنجح الثورة فى إزاحة مبارك عن سُدة الحكم ووقف مشروع التوريث الذى كان قد أوشك على وصوله إلى مرحلته الأخيرة. 
إن خيانة الإخوان للشعب والجيش والثوار والقوى السياسية لها تاريخٌ طويل.. كما أن حنثها بالوعود ونكوصها على تعهداتها، ونقض مصالحاتها مسألةٌ تجرى منهم مجرى الدم.. وفى الأسبوع المقبل نستكمل قراءتنا المعاصرة للمبادرات الإخوانية للمصالحة.