لم يكن عم "عبده جبر" اطلع على ما قاله "سمنيدس: لزوجة "هيرن" ونقله أرسطو من أن الغنى أفضل من الحكمة.. وعلل ذلك بأن الحكماء يقفون على باب الأغنياء.. فعم "عبده" لم يكن يمتلك تلك الحكمة لكنه وبرغم ذلك كان يقف أمام باب العمدة لا يغادره مطلقا؛ هذا الرجل البسيط شكل حكايات تروى وأصبح له تأريخا مرتبطا بتاريخ العمدة؛ بعد كل هذه السنوات لا أعرف ما الذي جعلني أطرح هذا السؤال على نفسي؟ هل كان عم "عبده جبر" يقصد ما يفعل؟ هل أراد أن يخلد سيرته ووعى أنه لا يملك ولن يملك المال ولا الحكمة فوقف على باب العمدة؛ وأدرك أن التاريخ واحد من هؤلاء المرتشين القادمين إلى جنابه!. حيرتني الإجابة لكني أدركت أن الرجل كان لديه في "جواله" قدر من الحكمة جمعها من البيوت أثناء سعيه الدائم على لقمة العيش قبل أن يقرر الوقوف على باب العمدة؛ وما أكد لي ذلك أنه حينما تقدم العمدة في السن وبات قلم التاريخ عنه ثقيلا لا يكتب إلا نادرا؛ كان عم "عبده" يخترع المواقف ليجبر التاريخ على كتابتها؛ ومن بينها أنه في إحدى ليالي الشتاء كان ينام العمدة على "الدكة" وخشي عليه عم عبده من البرد كما ادعى؛ فأشغل أسفل منه النار؛ وكاد العمدة أن يشوى لولا يقظة الخفراء الذين برغم ما فعلوه لم يكتب عنهم التاريخ ولكنه كتب معنونا الحكاية "العمدة وعبده جبر"، لا أخفي عليكم أنني في كثير من الأحيان وأنا أتصفح "الفيس بوك"؛ وأجد زميل في مؤتمر يلتقط صورة عنوة مع وزير وينشرها معلقا على علاقته بالوزير؛ أو آخر يلتقط صورة مع فنان بعد ندوة ما؛ أو هؤلاء الذين يتبارون في نشر صورهم مع إحدى الراقصات أقول في نفسي "عبده جبر كان أذكى"؛ لأنه كان يختلق قصة؛ كان يصنع حوارا؛ كان يوهم التاريخ أنه بطل في الحكاية مثله مثل العمدة فيجبره أن يكتبه عنوانا كما فعلته أنا في مقالي هذا؛ ولو كان التاريخ يأخذ بالصور لكتب عن كل هؤلاء الخفراء الذين وقفوا لسنوات يحرسون العمدة وداره ودواره؛ لكنهم ظلوا صورا في الألبوم دون حكايات تروى.. رحم الله العمدة وعم عبده جبر الذي قال عنه أرسطو متباهيا "دليل عقل الرجل فعله"؛ وللحق كانت هذه المقولة قبل ظهور "السيلفي" ولا أدري ماذا كان سيكتب أرسطو حينها.
أكثروا من الصور وللحديث بقية.