الولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة روسيا كانا نواة التنظيمات الدينية المتطرفة التي نشأت في المنطقة العربية، فسياسة كل منهما في الماضي أفضت لظهور تنظيم «قاعدة الجهاد»، ومن بعده تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية «داعش» وتنظيمات أخرى لا يعلمها إلا الله منها من انخرط في تنظيمات دينية موجودة على الساحة ومنها من كانوا نواة لتنظيمات جديدة محلية.
لا أتهم الولايات المتحدة وروسيا وأبرئ أنظمتنا العربية التي وقعت في فخ دعم ما أطلق عليه في نهاية السبعينات من القرن الماضي بالمجاهدين العرب، وهم من شكلوا نواة تنظيم «قاعدة الجهاد» بعد انتهاء الحرب الأفغانية واحتلال روسيا القيصرية بلد إسلامي وهي أفغانستان، وهو ما دفع المسلمون والعرب في كل مكان أن ينتفضوا في مواجهة الصلف الروسي والألة العسكرية التي كانت تقتل الأفغان على الهوية.
بينما كانت روسيا تقتل المسلمون الأفغان عندما احتلت أفغانستان، كانت الولايات المتحدة تدفع بالمقاتلين العرب والمسلمين الذين أتوا من كل حدب وصوب للدفاع عن الأرض المحتلة من الروس. غرض الأمريكان كان سياسيًا وهو القضاء على الدب الروسي وقتها ومحاولة تفكيك هذه الإمبراطورية، فدعمت التوجه الأيديولوجي والعقائدي عند هؤلاء المقاتلين لتحقيق هدفها السياسي، فكانت الطامة الكبرى عشرات التنظيمات المتطرفة التي نشطت في دول البلقان ومنها للعالم.
الطامة التي وقع فيها الأمريكان بدت بشكل أوضح عندما انتهت الحرب الأفغانية في نهاية الثمانينات وقد استمرت عشر سنوات على رؤوس الأفغان. تجمع المجاهدين العرب، كما يطلقون على أنفسهم، في تنظيم أطلقوا عليه وقتها «قاعدة الجهاد»، فقد كان زهو الانتصار ظاهرًا عليهم، مما دفعهم للاحتفاظ بشغفهم بالقتال.
فهم يرون أن «الجهاد» باق ليوم القيامة وهم يملكون قاعدة بيانات لكل المجاهدين من كل أنحاء العالم فكونوا التنظيم وفق هذه الرؤية التي طُرحت آنذاك وشارك فيها كل التنظيمات التي توحدت حول القتال هناك بما فيهم الإخوان المسلمين، وهنا مربط الفرس أن أمريكا غضت الطرف عن التشكيل الجديد لتنظيم «قاعدة الجهاد» في بدايته حتى جاءوهم إلى عقر دارها في تفجيرات 11 سبتمبر 2001 فأدركوا خطورة ما صنعوا!
الولايات المتحدة الأمريكية دعمت المقاتلين العرب الذين شكلوا تنظيم قاعدة الجهاد بشراكة بين أسامة بن لادن وعبد الله عزام، وروسيا كانت أساس هذا الدعم عندما قررت أن تخرج عن اللائق الدولي بسياستها فتحتل دولة ذات سيادة وتقتل أبنائها لا لشيء إلا لأنهم مسلمون، فكانت انتفاضة العرب والمسلمون والأنظمة العربية التي توافقت مع الرغبة الأمريكية وجهازها الأمني «المخابرات المركزية الأمريكية» التي كانت ترغب في توجيه لطمة للدب الروسي في مربعه الجغرافي من خلال دعم هؤلاء المجاهدين!
لم يقتصر دعم هؤلاء المقاتلين على الدعم المادي «أغذية وأدوية» وخلافه، وإنما كان دعمًا لوجستيا وعسكريًا، تعداه إلى إقامة معسكرات للمقاتلين العرب. تدرب العرب في معسكرات أمريكية بحماية عربية، هؤلاء هم الآباء المؤسسين لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، بعضهم عاد وقاتل الدولة المصرية في التسعينات من القرن الماضي عندما كانت تهاجم الجماعة الإسلامية مؤسسات الشرطة وأماكن تجمعهم، والتحمت معها جماعة الجهاد الإسلامي، وقرر التنظيمين مع غيرهم من التنظيمات الأخرى قتال خصومهم من الكتّاب والمفكرين والمثقفين لمجرد الاختلاف معهم.
والخطورة كانت في تقديم الدعم للمجاهدين العرب عندما امتزجوا بالمجاهدين الأفغان، وعندما وصُفت هذه الحرب بالمقدسة على المنابر الدينية والسياسية، شارك فيها المدنيين الذين تدربوا على السلاح وتم تهيئتهم روحيًا وعقائديًا، وعندما انتهت لم يكن هناك تصور للتعامل مع هؤلاء المدنيين الذين تحولوا لعسكرين، بعضهم انخرط في تنظيمات دينية والبعض الأخر أنشأ تنظيمات دينية جديدة وأعمل القتل وفق تصوره المحدود والتدريبات العسكرية التي تلقاها داخل هذه المعسكرات. هؤلاء المقاتلين هم من نعاني منهم في سيناء على سبيل المثال.
السياسات الدولية شريكة في الإرهاب الذي عم المنطقة العربية وضرب أوروبا والعالم، قد تكون هذه التنظيمات أبنة البيئة العربية والإسلامية، دماء هؤلاء عربية ولكن الرحم التي أنجبتهم غربية شاركت فيها سياساتهم بقصد وبدون قصد.
روسيا التي تلقت ضربات هؤلاء المجاهدين العرب بدعم أمريكي هي من دعمتهم فيما بعد عندما أنشأوا الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين في العام 1998 وكان هدفها توجيه بوصلتها ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية عندما صرح أسامة بن لادن عند تشكيل هذه الجبهة، لو استطاع أحد قتل أي جندي أميركي، فهو خير له من تضييع الوقت في أمور أخرى، ومن هنا كان الدعم الروسي، حيث أرادت روسيا أن ترد على أمريكا من خلال دعم التنظيم الوليد.
وكان إحدى ثمرات هذه «الجبهة» تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001 والتي تم دعمها من قبل المخابرات الروسية كي ترد الصاع صاعين للأمريكان، ولذلك الأمريكان والروس وقعوا في دائرة الاتهام بدعم هؤلاء «المجاهدين» الذين شكلوا تنظيم «قاعدة الجهاد» ثم تنظيم «داعش» فيما بعد.