تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية «داعش» نبتة عربية خالصة نشأت في حواضرنا الإسلامية، دماؤها عربية ولكنها نشأت من رحم غربية، توفر لها كل الإمكانات وهيئ لها المناخ وفق السياسة الغربية لنشأة هذه التنظيمات التي مثلت إحدى أهم زوايا التطرف في العالم.
عدة محطات يمكن من خلالها فهم السياسات الغربية التي هيئت المناخ لتنظيم «داعش» ودعمته حتى سيطر على مساحات هائلة من الأرض وأصبح اقتلاعه أمرًا صعبًا بعدما تجزر عسكريًا وفكريًا.
المحطة الأولى بدأت مع دعم الأمريكان من خلال جهاز الاستخبارات الأمريكية المركزية «السي آي إيه» للمقاتلين العرب أو من أطلق عليهم وقتها «المجاهدين العرب» في العام 1979 مع بداية الغزو الروسي لأفغانستان والذي استمر عشر سنوات كاملة، تشكلت الملامح الأولى لتنظيم «قاعدة الجهاد» مع انتهاء هذه الحرب وانسحاب القوات الروسية في العام 1989.
المحطة الثانية بدأت مع غزو القوات الأمريكية للعراق في مارس من العام 2003 والتي لم تنسحب إلا بعد تسع سنوات من الغزو في ديسمبر من العام 2011، وأثناء فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، نشأة تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية في العراق وسبقها محاولات أبو مصعب الزرقاوي من خلال جماعة «التوحيد والجهاد» وتحالفه مع أسامة بن لادن وتشكيل النواة الأولى لتنظيم «داعش» فيما بعد في العام 2014.
القوات الروسية ساعدت في تشكيل تنظيم قاعدة الجهاد بغزوها غير المبرر لأفغانستان في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وساعدت الولايات المتحدة في تشكيل جبهة «المجاهدين العرب» الذين شكلوا تنظيم «قاعدة الجهاد» فيما بعد، حتى أن الأمريكان هرعوا لاحتلال العراق دون موافقة من الأمم المتحدة فساعدوا في تشكيل تنظيم «داعش» وتكونت مجموعاته من تنظيم «قاعدة الجهاد» وهم من سبق وتم تشكيلهم على خلفية الاحتلال الروسي ودعم الأمريكان لهؤلاء المقاتلين!
الأمريكان أثناء احتلالهم للعراق قاموا من خلال الحاكم المدني، بول بريمر، في العام الأول من دخول القوات الأمريكية وبعد ثلاث شهور بحل وتفكيك الجيش العراقي، وهو ما ساعد على نشر الفوضى وسقوط الدولة بشكل ساعد من خلال الميلشيات المسلحة في إعادة التشكل حتى ظهرت في شكل دولة فيما بعد وسيطرت على الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.
السلوك الأمريكي لم يكن عفويًا عندما تم حل الجيش العراقي وتفكيكه ونشر ما يمكن أن نسميه بالعنف الطائفي بين السنة والشيعة، خاصة وأنه بدأ يشعر بعدم السيطرة الكاملة على الأرض ولا من خلال الحكم، وفشلت خططه الرامية في احتلال دول عربية أخرى بعد نجاح تجربة احتلال العراق التي لم تتحقق أو لم تؤتي ثمارها.
من ضمن المشاهد العبثية التي ساعد من خلال الأمريكان في سرعة ولادة تنظيم «داعش» أنهم أنشئوا معسكرًا للتنظيم وقياداته الذين اكتسبوا خبرات واسعة من قيادات حزب البعث، حيث وضع الأمريكان قرابة 20 ألفًا من هؤلاء المتطرفين مع قيادات من «البعث» ضمن معسكر كبير أطلق عليه وقتها سجن «بوكا»، وكان بمثابة جامعة تخرج منها القيادات العسكرية لتنظيم «داعش»، وللمناسبة كان من ضمن سجناءه إبراهيم عواد البدري، والملقب بأبو بكر البغدادي، خليفة «داعش».
السياسات الدولية في السابق كان لها دور مهم في نشأة تنظيم «داعش»، كما أنها ساعدت على توفير المناخ الملائم لتمدد «التنظيم» والأخر أنها فشلت في مواجهته عندما تم الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي في ديسمبر من العام 2014 بحجة مواجهة «التنظيم» في العراق، فما فائدة إعادة السيطرة على الأرض التي احتلها ذلك التنظيم، بينما مازال موجودًا في تخوم العراق وصحرائها وبين مدنها ويقوم بتنفيذ عشرات العمليات المسلحة بشكل يومي.
خطر «داعش» ربما يترجمه عبارات أبو بكر البغدادي في تسجيله الصوتي الأخير عندما قال لأنصاره «إن المجاهدين لا يحسبون الانتصار أو الهزيمة بفقدان بلد أو آخر»، ونحن نقول للقوات الأمريكية إن هزيمة التنظيم لن تكون من خلال الضربات الجوية ولا بضربات عسكرية تؤدي لانكماش التنظيم وتحايله بتنفيذ عمليات عسكرية في التخوم الملاصقة للمدن المؤهلة بالسكان.
الخطر الأهم قد يبدو من استمرار السياسات الدولية في مغازلة التنظيمات المتطرفة، فهنا تواجه «داعش» وهناك تدعم جبهة النصرة والإخوان المسلمين، ومبررات التأييد والمواجهة حاضرة، بالأمس نشأت «داعش» وسوف تستمر طالما استمرت السياسات الدولية وأمريكا وحلفائها في دعم تيارات العنف والتطرف والتمرد، واستمرت الرحم موصلة بفعل هذه السياسات ومع هذه التنظيمات.