الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحضور القبطي المعاصر في الكنيسة والدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
(6) جماعة الأمة القبطية:
لم تواجه جماعة عبر تاريخ الكنيسة المعاصر بمثل ما ووجهت به هذه الجماعة والتى تم حلها قبل أن يمضى على ولادتها سنتين، (تأسست 11 سبتمبر 1952ـ صدر قرار بحلها فى 24 ابريل 1954). 
هل لأنها ترجمت معارضتها لسياسة الكنيسة وواقعها المتردى ـ وقتها ـ إلى فعل لم تعتده اروقتها، ولا يتسق مع طبيعة الأقباط، حين توجهت إلى دار البطريركية، وألزمت البابا البطريرك (أنبا يوساب) بالتوقيع على وثيقة تنازل عن إدارة الكنيسة ؟... ربما
هل لأنها مدت تطلعاتها إلى خارج أسوار الكنيسة، وارتفعت بمطالبها لتتجاوز السقف الذى يسمح به المجتمع والنظام الحاكم آنذاك، حتى بدت لكثيرين أنها تطلعات مجنونة، وهى تضع على قمة مطالبها عودة الأمة القبطية، لغة وممارسة وحياة؟ .. ربما. 
هل لأنها وجدت تأييدا شعبيا جارفا منذ يوم إعلانها، كان يؤسس لتفعيل المشاركة السياسية للأقباط، مع اختلاف تقييم هذا التحرك؟ .. ربما. 
هل لأنها ترجمت ما تؤمن به إلى خطوات عملية تشابكت فيها مع الشارع ومع الكنيسة ومع الدولة؟ .. ربما. 
هل لأنها سجلت رؤيتها فى شأن "الأمة المصرية" فى مشاركتها بمذكرة قدمتها إلى لجنة مشروع الدستور، بعد أن طلبت منها الجهات الرسمية المشاركة فى ذلك، ووضعت يدها على واحدة من أخطر معوقات المواطنة والدولة المدنية، فتصادمت مباشرة مع الخلفيات الذهنية لكثيرين من شخوص ثورة يوليو الوليدة، رغم تقريظ العالم الدستورى الدكتور عبد الرزاق السنهورى وثناءه على المذكرة، .. ربما .
هل لأنها قادت حركة معارضة شعبية قبطية، بدعم وتأييد من المجمع المقدس، ضد اتجاه الثورة إلى إصدار قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين، والذى يحيل الفصل فى قضايا الطلاق للمحاكم المدنية بعد أن كانت حقاً مطلقاً للكنيسة ، وكذلك ضم الأوقاف القبطية للدولة، الأمر الذى حسب مقاومة لتوجه الحكام الجدد؟... ربما 
فى ظنى أن "جماعة الأمة القبطية" تجربة تستحق أن نقترب منها، وأن تعرفها الأجيال المعاصرة بعد أن قوبلت بموجات عاتية من التعتيم ومن التشويه، تجربة مصرية حاول من لم يسترح لها أن يحصرها فى خندق الطائفية، فهل هى كذلك كما يبدو للوهلة الأولى من مسماها "الأمة القبطية" أم هى حركة وطنية تسعى لبعث التواصل التاريخى لتعود "الأمة المصرية" كما يقول قادتها، ثم هل هى حلم أم هى كابوس ؟!. 
أُحاول عبر سطورى أن أقترب من هذه الجماعة التى مازالت محل جدل إلى اليوم، أقلب فيما اتيح لى من أوراقها وعبر جلسات مع بعض رموزها الأحياء ـ أمد الله عمرهم ـ بحثاً عن إجابة لتلك التساؤلات وغيرها.
كانت كل الظروف المحيطة ضد هذا التحرك ، فقد تأسست الجماعة فى 11 سبتمبر 1952 ، أى بعد أقل من شهرين من قيام ثورة العسكر فى 23 يوليو من ذات العام والمحكومة بخلفية ريفية دينية عند العديد من شخوصها، وكان إختيار تاريخ الإعلان عن تأسيس الجماعة مقصوداً لما يحمله من دلالة فهو رأس السنة المصرية، (11 سبتمبر / أول توت) وكان حفل التأسيس هادرا بمدرسة التوفيق بحى الفجالة ذو الكثافة المسيحية الملحوظة، والمحاط ـ وقتذاك ـ بأحياء لا تقل كثافة مسيحية عنه . 
قاد الجماعة الشاب إبراهيم فهمى هلال ـ لم يتعد حينها الثامنة عشر ـ وكان قد تخرج لتوه فى كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة) ، وألقى فى الحشد الحاضر خطاب التأسيس الذى يحمل توجههم وتطلعاتهم، وسط حضور شعبى مكثف، إذ يقدر عدد الحضور نحو ألف شخص أو يزيد، وفى حضور مندوبين عن البابا يوساب هما الأنبا بطرس مطران أخميم، والقمص إقلاديوس الأنطونى (الأنبا بولس ـ إسقف حلوان فيما بعد)، وبعض من الرموز العلمانية من كبار رجال الأقباط على رأسهم الدكتور ابراهيم فهمى المنياوى باشاً.
ويذكر مؤسسها أنه خلال مالا يزيد عن العام انضم لعضوية الجماعة ما يزيد على التسعين ألف قبطى، كان شعارهم " الله ملكنا، ومصر بلادنا، الإنجيل شريعتنا، والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، والشهادة فى سبيل المسيح غاية الرجاء"، وهو يحاكى إلى حد المطابقة شعار جماعة الإخوان المسلمين وربما يتحداه. 
ثلاثة أهداف وسبع آليات :
أعلنت الجماعة أنها لا تعمل بالسياسة وليس لها من غرض خارج الإطار الدينى الإجتماعى، سعياً لتحقيق ثلاثة أهداف :
• رفاهية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية .
• تطبيق حكم الإنجيل على أهل الإنجيل .
• تكلم " الأمة القبطية " باللغة القبطية .
وحددت لتحقيق هذه الأهداف سبع وسائل، أو آليات، على الأرض :
1. التمسك بالكتاب المقدس وتنفيذ جميع أحكامه عن طريق دراسة علمية حديثة، وأن يخرج منه العلم بجميع فروعه.
2. دراسة اللغة القبطية بطريقة علمية حديثة وإحلالها محل اللغات الأخرى، والتمسك بعادات وتقاليد "الأمة القبطية"، ودراسة تاريخ الأمة القبطية، والتعامل على أساس التقويم القبطى .
3. إصدار جرائد، يومية وإسبوعية وشهرية، تكون المنبر القوى للدفاع عن الأمة القبطية، وبهذا يوجد الرأى العام القبطى .
4. مطالبة الحكومة رسميا بإنشاء محطة إذاعة خاصة بالأمة القبطية .
5. الإهتمام بالدعاية محليا ودوليا للأمة القبطية، والعمل على احترام الكرسى البابوى وتكريمه .
6. الاهتمام بالناحية الرياضية بمختلف وجوهها .
7. إنشاء دار كبرى تسمى المركز الرئيسى للجماعة فى وسط القاهرة بجوار الأحياء القبطية (الفجالة، شبرا، القللى، الأزبكية) تجمع فيه مؤسسات ومشروعات الجماعة . 
وقد استطاعت هذه الجماعة، رغم التأييد الشعبى الجارف، فى وقت قياسى، أن تستقطب عداء عدة جهات وأجنحة وتيارات، كل منها رأت فيها خطراً يتهددها : 
• الحكام الجدد، وقد وجدوا فيها جماعة مناوئة، تعوق سيطرتهم على الشارع، فضلاً عن مقاومتها للمد الدينى الذى بدت ملامحه مع أعمال لجنة إعداد الدستور، خاصة بعد تنحية الرئيس محمد نجيب، وتولى الرئيس جمال عبد الناصر عقب أزمة مارس 54 الشهيرة .
• الكنيسة الرسمية، وقد هالها ما حدث مع رأسها، رغم توافقه مع رغبتها، ربما لأنها حسبته بمثابة بداية لتحرك علمانى يفقدها سيطرتها على الرعية.
• جماعة مدارس الأحد، التى كانت تسعى لفرض اجندتها عبر عباءة الإكليروس تمهيداً للحلول محلها، ولم تكن لتقبل بمنافس. 
• التيارات الإسلامية، وقد رأت فيها نذير تحرك قبطى باتجاه تقويض مشروع قيام الدولة الدينية، بحسب أجندة الإخوان المسلمين .
• التيارات القومية العروبية، وقد رأت فيها توجها مصريا أصوليا، يسعى لإحياء القومية القبطية، فى اتجاه معاكس لو قدر له النجاح لأصبح حجر عثرة وعقبة أمام مشروعهم. 
• التيارات الوطنية، وقد رأت فيها اتجاها لتأكيد الفرز الطائفى، بالحديث عن حقوق قبطية فى مواجهة حقوق مسلمة، وبالتالى الدخول فى دوامة التداعيات. ومنها تقويض الدولة المدنية لصالح الدولة الدينية .
ويحسب لتجربة جماعة الأمة القبطية، بعيدا عن حسابات التوازنات وتضارب المصالح وصراع الأجندات، أنها أشارت مبكراً لوجود أزمة فى الشارع المصرى ولمست بعض أسبابها، مما عجل بالتحرك لإجهاضها، وربما يفسر ذلك سعى كل الأطراف للتعتيم عليها لصالح كثيرين لم يكن الوطن من بينهم .