تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يكذب يا صديقي من يقول لك أن بالأمس كان هناك خيرا كثيرا؛ فالفقر هنا منذ بدأ الخليقة ولكن الفرق أن الجميع كانوا فقراء؛ وكان "الطبيخ" يوم الخميس وفي الأعياد؛ كانت رائحة "المحشي" تفوح من نوافذ الديار؛ وكانت اللحمة منحة ربما تأتي مرة واحدة في العام؛ وفي عام مثل كل الأعوام التي مرت والتي سوف تمر.. جاء إلى القرية صديق للعمدة من البندر؛ ذهبنا لنرى ذلك الغريب؛ كان يجلس على "الدكة" ويحكي قصص عن المدينة ومن حوله يلتف الرجال والخفراء والنساء مشدوهين بما يقول؛ في كل حديثه استوقفني أنا وأصدقائي ما قاله عن "لذاذة" الفراخ المشوية؛ لليالي طويلة كانت رائحة «الفراخ المشوية» تداعبنا أينما ذهبنا، كنا نتخيلها وهي تتمايل على الشواية ونحن نقطتع من جسدها دون رحمة، لنسد نهمنا، «حسام» رأى ذلك في أعيننا، وشمه في حديثنا ذات ليلة فقال: «ما رأيكم لو جمعنا من بعض وعملنا عشوة فراخ مشوية ليلة الوقفة»، هو كان يعرف أن الحالة «ضنك»، وأن مقتنا للجبنة القديمة بات أكثر من مقتنا للصهاينة، استطرد في الحديث عن سر التتبيلة وروعة مذاق الفراخ، التي ستستغرق على النار فقط ساعتين، هم ساعتين من جوع بعدها «تملأ النساير بطوننا» اقتنعنا تماما بالفكرة، وباتت المعضلة أمامنا هي الأموال، من أين نأت له بثمن الفراخ ومستلزمات الشوي، والذي غالى فيها جدا ورفع سعر الكيلو مستغلا مقتنا للجبنة القديمة وتطلعنا إلى الفراخ المشوية، وبعدما ضربنا أخماس في أسداس، قررنا إحضار «فلوس الفراخ» ولو سرقناها، أمير صديقنا تسلل إلى غرفة أبيه واصطاد من «جيب الصديري» بضعة قروش، ورؤوف ذهب إلى الأرض وجمع بعضا من المحصول ليلا وذهب به إلى السوق، أما أحمد فكان معه فلوس الدروس، وأنا كان لدي «كاوتش أميجو بينور» بعته بثمن بخس قروش معدودة حملتها إليه؛ الذي طمئننا أن كل شئ يسير على ما يرام، أعطانا موعد التجمع فكنا هناك، انتظرناه لم يأت.. فتحنا أنوفنا علنا نستنشق رائحة الشواء لم يدخلها إلا التراب.. كذبنا حدسنا بأن «حسام» خدعنا، واختلقنا له الأعذار.. ربما لم يجد دجاجا.. أو فحما.. أو ربما التتبيلة تأخذ وقتا.. ربما الأموال لم تكف.. ساعات وربما هذه تأخذنا في الشارع ذهابا وإيابا حتى تململنا منها.. وهنا ظهر «حسام»، أسرعنا إليه أين الفراخ.. طأطأ رأسه وقال: «يظهر إننا مش مقسوم لنا ناكلها.. حاجة غريبة حصلت»، في صوت واحد «إيه اللي حصل؟»، قال: «على اتفاقنا ذهبت إلى بائعة الفراخ وأعطيتها ما معي من نقود فقالت لي من عيني بعد يومين تعالى .. وحسب الموعد ذهبت إليها لأحضر الفراخ فقالت لي أن سعر الكيلو زاد إلى الضعفين وما تركته من نقود لا يساوي حتى ثمن دجاجة واحدة.. لكن لأننا تعاهدنا.. سأمنحك بيض.. خذ بيض.. سيكون طعمه جيدا مع الجبنة». صرخنا جميعا في وجهه : «هي ناقصة بيض؟»، أقدم رؤوف ومسك حسام من رقبته وأخذ يصفعه، واستعد أمير ليركله، فإذ به يخرج «ديك» من فتحة جلبابه ويقول لنا، تعالوا سأعوضكم عن «الفراخ المشوية»، سرنا خلفه حتى وصلنا إلى داره وعرفنا منه أنه سرق الديك؛ شمر عن ذراعيه وتهجم كمن سيذبح خروفا وطلب منا سكينا وحلة بها ماء؛ و"شخط" في لأشعل "الباجور أبو كباس" ثم خرج أمام الباب وكبر ليذبح الديك؛ ولأنه لم يفعل ذلك من قبل جرح فقط رقبة الديك؛ الذي أخذ يصيح ويجري في الشارع حتى استيقظت كل نساء القرية؛ وخرجن يجرين خلفنا؛ وهن يصرخن: "امسك حرامي" جرى الديك ونحن من خلفه حتى وصلنا إلى الزراعات؛ وجلسنا نلتقط أنفاسنا ونحن نلعن صديقنا والديك؛ الذي لم يكف عن الصياح حتى وقع جثة هامدة قبل تكبيرات العيد؛ تسحبنا خلسة لندخل ديارنا فإذ بنا نجد نساء القرية يجلسن مجتمعات عند عم طه العراف والذي كان يفتح المندل ويرى في "البيضة" الأسرار؛ كان يقرأ التعويذة ليعرف من أي عشة سرقنا الديك؛ خوفنا أن ينكشف سرنا وتصبح فضيحتنا بجلاجل في العيد؛ فقررنا فض الاجتماع بأي شكل من الأشكال؛ ولم يكن أمامنا سوى أن نصنع قراطيس من الورق نعبأها بالتراب؛ اتفقنا على الخطة ثم أطلاقنا القراطيس في الهواء فانهال التراب على الجميع وانحجبت الرؤيا؛ فإذا بصاحبنا العراف يصرخ: انصرفوا.. انصرفوا.. الأسياد هم من أكلوا الديك بالهناء والشفاء فإنه فداء للقرية من داء.. ومنذ ذلك الحين ولأعوام وفي العيد كنا نسرق ديك وصاحبنا العراف والنساء كانوا مقتنعين أنه فداء.