ولد الكاتب الروائى باتريك روجيه فى ٢٢ سبتمبر ١٩٤٧ بمدينة أبكسيل البلجيكية، واستقر به المقام فى باريس بعد إلغاء الدعم عن المسرح فى بلجيكا، حيث عمل ناقدًا أدبيًا بجريدة «الصباح» الفرنسية، كما عمل ناقدًا فوتوغرافيًا بجريدة «لوموند» الفرنسية. صدرت له عدة روايات فى فرنسا منها «النظر الحلوة» ١٩٩٠، و«راية الساعة الكونية» ١٩٩٢، و«هندسة المشاعر» ١٩٩٨، و«طبيب الرمد الغريق» ٢٠٠١، ورواية «ليلة العالم»، التى يتناول فيها السيرة الذاتية والأدبية لنمطين من الكتاب الكبار، هما الأيرلندى جميس جويس والفرنسى مارسيل بروست والتى نقلتها إلى العربية جينا بسطا، والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٦، ضمن سلسلة الإبداع القصصى.
فى ربيع عام ١٩٢٢، أقام زوجان أمريكيان ثريان دعوة للعشاء بمناسبة عرض مسرحية سترافينسكى، وكان «جميس جويس» أحد المدعوين الذين أقيمت على شرفهم، كان الخمر يؤنس وحدته فى مواجهة تقلبات الحياة، ولكن إدراكه لعبقريته جعله يتنحى جانبا.
فقد وضع المؤلف باتريك روجيه جميع إمكاناته اللغوية فى تخيل ما يمكن أن يتبادله الرجلان من حديث على اختلافهما الجذرى فيما يتعلق برغباتهما، وانتماءاتهما الثقافية ومكانتهما الاجتماعية.. وفى الوقت ذاته كانا متقاربين فيما يتعلق بطموحهما الأدبى، واختراعهما المستمد للجديد من الألفاظ والملحقات والأصوات.
فتتنقل اللغة وتتمدد وتتشابك معانيها واستخداماتها وينجرف الجميع فى فيض من الضحك والمجون. ومنذ تلك اللحظة ارتباط جويس وبروست بصداقة فى عزلتهما وتبادلا الحديث عن حياتهما وأعمالهما الأدبية وإحباطاتهما وخاصة علاقتهما بالزمن.
فقد كان يوم الخميس ١٨ مايو ١٩٢٢، أول مرة يخرج فيها بروست منذ إصابته بالتهاب المرىء، الذى أصابه إثر تعاطيه جرعة قوية من الأدرينالين الصافى دون تخفيف، مما ألهب القناة الهضمية والمعدة، وسبب له آلاما مبرحة لأيام طويلة.
كل ما حدث له كان سببه جهاز الجمباز المتوازى، الذى كان يلعب عليه فى طفولته، حيث انكسر أنفه وهو فى الثامنة من عمرة، واستمر هكذا منحرفا قليلًا، وقد أجرى عشر عمليات لتعديل أنسجة أنفه الانتصابية منعا لتأثير حبوب اللقاح، التى كانت تثير لدية نوبات من العطس الشديد تستمر دون توقف.
كان يعانى مخاوف مرضية لدى خروجه من البيت، كما كانت تطادره الوساوس بسبب النظافة، فيستخدم بخاخا به مادة اليوكاليبتوس – نعناع مطهر – عند تصفحه للكتب فى مكتبته.
أما بروست المولود فى العاشر من يوليو عام ١٨٧١، كان يبدو أكبر من سنه. كان ممن يطلق عليه «ابن أمه» التى كانت تدلـله وتحتضنه لدى ذهابه إلى المدرسة. ولم يبدأ بروست مشروع روايته الكبرى إلا وهو فى الرابعة والثلاثين من عمره، بعد رحيل تلك الأم التى كان يبجلها فى كتاباته – كان ينتظر أن تصل تلك الرواية الضخمة إلى مائة ألف صفحة، وقد ظل بروست يخطط لها منذ عام ١٩٠٨، وهى رواية تتعرض لأكثر من خمسمائة شخصية، وتحمل عنوان البحث عن الزمن المفقود. وقد أتمها بروست واضعا كلمة «النهاية» لها فى بداية ربيع عام ١٩٢٢م.
كانت فرنسا بالنسبة لـ«جويس» أجمل مدن العالم ومصدر سعادته، فقد كان ذلك المناخ الثقافى الذى يهيمن على باريس عاصمة الفنون الطليعية ومركز الإشعاع الأدبى، أو بتعبير أشمل قلب العالم الثقافى، يمثل حافزًا قويا بالنسبة له، حيث تجتاحها قوى شبيهة بتلك التى توجد فى حلبة السباق، فتعلم «جويس» استطعام مخبوزات الكرواسون فى الصباح وتقشير البيض المسلوق على مناضد المقاهى.
وكان يتسكع أمام بائعى الكتب المستعملة على الكورنيش، ويشرب الأنخاب فى المقاصف، كمقصف «الجوكى» بحى «مونبارناس»، حيث كان يفتح زجاجات الويسكى ويعب منه عبًا مروريًا ظمأه ! ومع ذلك فلم يكن جويس يرتاد المجتمعات الراقية ولا الحياة الباريسية، كان «جويس» مواطنًا أيرلنديًا أصيًلا. ولد فى ٢ فبراير ١٨٨٢ بضاحية راتجار جنوبى دبلن التى لا ينبغى الخلط بينها وبين رانفارنهام، حيث ولد سينج الذى ذكره جويس مرتين فى كتاباته. «سينج ستريت» و«سينج المهرج»، فلديه مقولة شهيرة: «سوف يصبح اسمك مشهورا إن كتبت عنه». وللحديث بقية.