أوجاع المحليات أصبحت متعددة.. وأخطرها الجوانب الاجتماعية التى أصبحت تهدد مستقبل الأسر وأولادها.. وإذا كانت بلادنا قد احتلت مركزًا متقدمًا بسبب ارتفاع نسب الطلاق بين دول العالم، إلى الحد الذى تحدث عنه رئيس الجمهورية فى خطاب عام، محذرًا من مخاطر الطلاق.. وقد انحصر الأمر فيما يسمى الطلاق «الشفوى» وكأن التسرع من الرجال والنساء فى إعلان طلب الطلاق هو السبب الرئيسى.
ولكن للأسف الشديد، فإن معدل ارتفاع حالات شهادات الطلاق وفق التقارير الرسمية، تمثل علامة خطيرة وجرس إنذار كارثى، وهو ما يهدد المجتمع ومستقبله، باعتبار أن الأسرة هى البنية الأولى للمجتمع.
وإذا كانت مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا فى معدلات الطلاق وبمعدل ٢٥٠ حالة طلاق يوميًا، حيث تؤكد ذلك الإحصائيات الرسمية، يضاف إلى ذلك وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن نسب الطلاق فى مصر قد ارتفعت من ٧ إلى ٤٠ ٪ خلال النصف الأول من عام ٢٠١٧، حيث تصل حالات الطلاق إلى حوالى ٤ ملايين امرأة مطلقة.
كما تؤكد وتشير معدلات القضايا المنظورة أمام محاكم الأسرة إلى تعاظم الصراعات الأسرية بين الأزواج «رجال – نساء» والمعلقة للنظر وارتفاع معدلات الطلاق التى شملت كل محافظات مصر بطول البلاد وعرضها.
حيث تتصدر المجموعة الأولى من المحافظات الأرقام الأعلى فى الترتيب لتشمل «القاهرة – الإسكندرية – بورسعيد – الجيزة والسويس» لاحظ أنها المحافظات الحضرية مجتمعة، هى التى تحظى بأولوية الترتيب فى الطلاق يضاف إليها «الجيزة» المحافظة الريفية الوحيدة.
أما المجموعة الثانية فى حالات الطلاق حسب الإحصائيات تأتى «دمياط – الدقهلية – الإسماعيلية – الوادى الجديد وأسوان فى الجنوب».
أما حالات الطلاق التى تتصدرها المجموعة الثالثة فى الترتيب، فهى تشمل محافظات «قنا – مطروح» لتأتى المجموعة الرابعة «الغربية – الشرقية – القليوبية – البحر الأحمر – الفيوم – شمال سيناء – الأقصر – البحيرة – بنى سويف – كفر الشيخ والمنوفية».
ويتمدد الطلاق كظاهرة اجتماعية خطيرة إلى المحافظات فى ذيل القائمة «سوهاج – جنوب سيناء – المنيا وأسيوط».
ومن المؤكد موضوعيًا، أن الأسباب الحقيقية فى الطلاق وارتفاع المعدلات ليست كما قيل فى التسرع بإعلان الطلاق بالشكل الشفوى، وإنما يرجع لمجموعة من الأسباب:-
• المشاكل الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها أهم وأخطر العوامل، بسبب ارتفاع نسب البطالة وتدنى الأجور مع غلاء الأسعار وغياب حماية اجتماعية حقيقية.
• غياب ثقافة وبيئة اجتماعية أو حتى تأهيلية للمتزوجين حديثًا.
• غياب المفاهيم الحقيقية لبناء الأسرة، وغياب الدور الحقيقى للكثير من رجال الدين.
• كما أن الإعلام والفضائيات تعطى مزيدًا من الاهتمام بالطبقة الغنية وصفوة المجتمع من النساء، عبر برامج المرأة التى تهتم عادة بالمكياج والمطابخ الحديثة وتقديم الأطعمة والأكلات الفاخرة فى استفزاز للطبقات الشعبية الفقيرة والطبقة المتوسطة، بينما تظهر تلك البرامج من ديكور وأثاث فاخر وملابس وأدوات حديثة لا تراعى الأوضاع الاجتماعية للمرأة والأسر الفقيرة وأوضاعها الاجتماعية فى المحافظات الفقيرة، والأطراف المهمشة.
عمومًا الأسباب متعددة وتكشف ضعف المحليات وإمكانياتها المحدودة، ولأن الأمر خطير فإذا كان حجم وعدد القضايا المنظورة أمام محاكم الأسرة بالمحافظات يرتفع سنويًا، وإذا كان الانفصال والطلاق له أضرار على الزوجين وأسرهم، فأن الأمر يتعلق بما يزيد على ٩ ملايين طفل محرومين بين أهاليهم بسبب مشاكل الرؤيا والصراعات الضيقة والمقيتة والمتعصبة، والتى تحرم الأطفال من رؤية آبائهم أو أجدادهم، وفى بعض الحالات حرمان الأم من أبنائها.
إن خلق جيل جديد مريض أو معقد أو محروم من الحنان، فضلا عن الصراعات والمنازعات الأسرية وآثارها السيئة، يضاف إلى ذلك وجود ظاهرة أطفال الشوارع وأطفال الأحداث، وكلها قنابل موقوتة اجتماعيًا.
إن الأمر جد خطير، لا يحتمل أن يمر عبر كلمة رسمية للسيد الرئيس، وتصريحات بعض رجال الدين، فالأمر جلل وخطير.
إن ارتفاع حالات الانتحار ومعدلات الجريمة وما يسمى ظاهرة «الإلحاد» بين الأبناء حديثى العمر وفى بدايات سن الشباب، يتطلب منا موقفًا هامًا وصريحًا وعمليًا.
وإذا كان الدستور فى المادتين «١٠ – ١١» قد كفل حماية الأسرة والمرأة ضد العنف وحماية الطفولة والأمومة والمرأة المعيلة والمسنة والأشد احتياجًا. وإذا كانت قوانين الأحوال الشخصية والأسرة وقانون الطفولة كلها تحتاج إلى إعادة نظر، من أجل إيجاد أمان اجتماعى لأكثرية الأسر المصرية.
فإن الأمر يحتاج موقفًا واضحًا من المجلس الأعلى للطفولة والأمومة – المجلس الأعلى للسكان – والمجلس القومى للمرأة، والوزارات المعنية وأهمها «التضامن الاجتماعى» والحكومة بكل أجهزتها للتحرك، بعد أن دق جرس الإنذار بشدة.
ولقد آن الأوان من أجل التمكين الحقيقى الاقتصادى للمرأة، وكذلك توفير فرص عمل حقيقية للشباب تحفظ كرامتهم وآداميتهم، كذلك إعادة النظر لما يسمى ببرنامج الحماية الاجتماعية.
بالإضافة إلى الفهم الصحيح والتطبيق الحقيقى فى المدارس من أجل تعليم الطالبات والطلاب أصول بناء الأسرة الحقيقية، ومبادئها العامة، مع نقل الخبرات الحياتية والتربوية والدينية فى ذلك.
وبعد تصحيح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالتأكيد سوف يكون المدخل الرئيسى نحو حياة اجتماعية كريمة قبل فوات الأوان.