الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الشخصية المصرية - 3

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المصرى القديم هو أول من أقام دولة على وجه الأرض، هذه حقيقة تاريخية ثابتة، شاء من شاء وأبى من أبي، وذلك بفضل النيل الذى هو شريان الحياة لهذه المنطقة الخصيبة، والذى دفع المصرى إلى احتراف الزراعة، والمجتمع الزراعى هو أكثر المجتمعات استقرارًا، فالبذرة يتم غرزها فى الأرض لتنبت فى شهور، وفى انتظار الحصاد يقيم الإنسان إلى جوار أرضه حارسًا لها من الطيور والحيوانات والديدان، فيبنى بيتًا إلى جوارها ويتزوج وينجب أبناء يرثون تلك الأرض التى امتلكها، ولأن الملكية الخاصة تحتاج للحماية من الأفعال الهمجية فقد وضع المصرى القديم مجموعة من القوانين والمواثيق، وسرعان ما نسبها إلى السماء لكى يضمن التزام الجميع بها، وكل هذه القوانين هدفها الحقيقى هو تنظيم العلاقة بين البشر، وإرغامهم على التحلى بالأخلاق الحميدة والبعد عن جميع الرذائل، فلا تسرق ولا تقتل ولا تحقد ولا تزنى بزوجة جارك، ولا تعتدى على أحد بقول أو بفعل، ولا تخن ولا تغدر، وابتسم فى وجه أخيك وارحم الضعيف، وواسى الحزين، وامنع نفسك عن الغضب ولا تأخذ شيئًا هو من حق غيرك، هذه الوصايا الأخلاقية التى نصت عليها جميع الكتب المقدسة فيما بعد، وكانت عقوبة من لم يمتثل لهذه التعاليم السجن أو النفي، أما الشرائع السماوية فيما بعد فقد غلظت عقوبة مخالفى هذه التعاليم سواء فى الدنيا أو فى الآخرة، ولأن المصرى القديم آمن بالبعث والحساب والحياة الأخرى منذ فجر التاريخ فقد تميز عن غيره من البشر بهذه الأخلاق الحميدة والتى جعلته طيبًا.. متسامحًا.. ودودًا، ولكن الحملات الاحتلالية الكثيرة قد دفعته إلى التخلى فى بعض الأحيان عن هذه الصفات المثالية، فلجأ إلى الكذب والخداع والغدر والخيانة، وفى هذه الفترات كانت تكثر الجرائم وتسود الفوضي، فإذا رحل الاحتلال وتحررت الأرض وعادت الدولة إلى قوتها يعود المصرى إلى ما كان عليه من أخلاق، ولا شك أن امتزاج الثقافات قد أثر بشكل مباشر فى طبيعة الشخصية المصرية، فأفقدها بعضًا من مثاليتها، خاصة حين تعرف المصرى على شرائع أخرى تبيح الخيانة والغدر والكذب والقتل لأسباب عديدة، أهمها الاختلاف العقائدي، ولكن نظام الدولة المصرى القوى كان يدفع الناس عبر التاريخ إلى الخوف من مغبة مخالفة المواثيق الاجتماعية أو القوانين، فإذا اعترى النظام خللاً أو كان ضعيفًا انعكس ذلك على الشخصية المصرية، ولا شك أن المتغيرات السياسية التى طرأت على البلاد عقب أحداث ٢٠١١ قد أدت إلى العديد من الظواهر السلبية التى لم تكن فى شخصية المواطن المصرى من قبل، ويرجع هذا بالدرجة الأولى إلى إحساسه بانهيار الدولة بعد انكسار الشرطة عصر ٢٨ يناير، حيث سادت البلطجة وأعمال النهب والسرقة والسلب والحرق، وفقد بعض المصريين خصائص وسمات ارتبطت بهم على مدار التاريخ كاحترام وتوقير الكبير، وكالرحمة، وحُسن الخلق، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحات للمعارك اللفظية، أدت إلى انقسام المجتمع، فدخلنا فى منعطف تاريخى صعب، كاد يعصف بالمصريين ويصل بهم إلى حرب أهلية شاملة تأكل الأخضر واليابس لولا انحياز الجيش المصرى لإرادة غالبية الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وعودة الدولة القوية مرة أخري، ولاشك أن احترام القوانين والمواثيق هو الخطوة الأولى فى سبيل بناء الشخصية المصرية وإعادة سماتها المثالية، فالخوف من العقوبة يجعل المرء حذرًا من ارتكاب الخطأ، وبالتالى يجبر على التحلى بالفضيلة، خاصة وأن الدين لم يعد يفعل ذلك بسبب فوضى الفتاوى والفضائح المتلاحقة لمن أسموا أنفسهم بالدعاة، ولذا فليس غريبًا أن تجد موظفًا كبيرًا يضع على مكتبه مصحفًا وفى نفس الوقت يتقاضى الرشوة، وإذا ظلت الأجهزة الرقابية على نفس حالها ونشاطها الظاهر فى ضرب بؤر الفساد فإن هذا ولا ريب سيساعد على إعادة بعض الصفات التى افتقدها المصري، فقوة الدولة إذن هى العامل الأول فى هذه المرحلة لإعادة بناء الشخصية المصرية، وبمراجعة التاريخ سنكتشف أن العصور الديكتاتورية كعصر محمد على أو الستينيات هى أقل العصور حدوثًا للجريمة، سواء كانت قتلًا أو سرقة أو شجارًا، ولسنا من دُعاة الديكتاتورية ولكننا نرصد حقيقة تاريخية، فبعض الناس إذا آمنوا العقاب تخلو عن الأخلاق الحميدة، وفى فترات تحلل الدول تجد الفوضى هى السائدة، والفوضى هى نتاج الأخلاق السيئة التى لا نريدها، وأما الذين سيقولون إن شعوب الدول الديمقراطية قد تحلت أخلاقهم بالمثالية فنقول لهم إن التعليم هو السبب فى ذلك، فالخطوة التالية إذن التى يجب إتباعها هى غرس القيم النبيلة فى نفوس المصريين عن طريق التعليم منذ الصغر، ولكى تكتمل منظومة التعليم فعلينا أن نغير الخطاب الدينى القائم على التحريض والكراهية، وعلينا أن نخلق إعلامًا يحض على التعاطف والرحمة والانتماء، وهذا للأسف الشديد لن يحدث إلا بوجود كوادر تعى ما يقدم للمشاهد المصري.