نَحَتْ «الجبهةُ السلفية» منحى حزب «النور» الذراع السياسية للدعوة السلفية، فيما يتعلق بربوية شهادات استثمار «قناة السويس» الجديدة، إذ أوضح أحمد يحيى شريف، القيادى بالجبهة، أن أغلب الشعوب العربية تحبُّ الأرباح السهلة المضمونة التى تأتى بلا تعب أو عناء حتى لو كانت زهيدة أو مُحرمة شرعًا. وقال إن «نسبةً كبيرةً جدًا من المصريين يضعون أموالهم فى البنوك التجارية من أجل فائدة سنوية زهيدة تختلف باختلاف البنك وقيمة وفترة الوديعة، ويُعرِضُ أغلبُ الناس عن التجارة التى أحلها الله تعالى فى كتابه وسنة نبيه من أجل أن فيها نسبة مُخاطرة وربما تعرض رأس المال للتلف».
وتابع مستنكرًا: «للأسف، أغلب الناس يَسألون فى أمور دنياهم التى فيها معاشهم، ولا يُقدموا على أمر من أمور الدنيا إلا بعد أن يقتلوه بحثًا كى يحققوا أفضل المكاسب بأقل التكاليف، فإذا أتوا على أمور الآخرة؛ لا تجدهم يُبالون بالحلال والحرام، ويستعينون بالفتاوى الباطلة وأقوال الرّجال الشاذة كى تكون لهم طوق نجاة فى الآخرة».
وتساءل: «كم مصريٌّ من الذين اشتروا شهادات قناة السويس، سأل عالمًا شرعيًا -مشهودًا له بالعلم والكفاءة- عن حكم شراء هذه الشهادات وحكم الفوائد التى تترتب عليها»؟!، ومضى قائلًا: «أغلبهم اكتفى بمعرفة نسبة الربح على رأس المال -الذى حددته الحكومة- واكتفى بالزخم الإعلامى حول المشروع وكونه مشروعًا وطنيًا يساعد فى تنميةِ الاقتصاد».
وقال إن شهادات «قناة السويس» التى أصدرتها الحكومة هى من جنس شهادات الاستثمار التى يُصدرها «البنك الأهلى المصري» بفئاتها المُختلفة «أ، ب، ج» وهى شهاداتٌ مُحرمةٌ شرعًا، وهى الربا الذى ذكره الله تعالى فى كتابه والنبى صلى الله عليه وسلم فى سنته، حيث أن صاحب الشهادة يأخذ فائدة -ربا- على أصل المال لا على الربح أو الخسارة، وبالتالى لا يجوز شراء هذه الشهادات أو الانتفاع بالربا الخارج منها.
كما قال عطية عدلان، عضو الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح: «إذا تأملنا شهادات استثمار قناة السويس، وبحثنا عن جوهرها وطبيعتها، وجدناها لا تخرج عن عقدِ القرض»، لافتًا إلى أنها لا تزيد على كونها صورة من ودائع البنوك، وهذا واقعٌ لا يُنكر.
وأكد أن القانون رقم 8 سنة 1965 ينص على أن الشهادات «أ، ب» قرض بفائدة، و«البنك الأهلى المصري» نفسه عندما يعلن عن أوعيته الادخارية التى يتلقى بها الودائع يذكر فى بعض إعلاناته شهادات الاستثمار ضمن هذه الأوعية.
وأوضح «عدلان»، فى تصريحات صحفية، أن هذا التكييف واضحٌ جدًا بالنسبة للمجموعتين «أ، ب». أما المجموعة «ج»؛ فهى التى حدث حولها شىء من الجدل، بسبب أن عائدها الذى يوزع فى صورة جوائز، وهذه الجوائز يأخذها بعض العملاء وما كان ينبغى أن يثور حولها الجـدل؛ لأن ما يجرى عليها لا ينقلها عن أصلها الربوي، بل يزيد على مصيبة الربا مصيبة أخرى وهى الميسر.
وقد تصدت «دار الإفتاء» المصرية لحرب الفتاوى التى واجهها مشروع «قناة السويس» الجديدة؛ حيث أكدت الدار جواز التعامل بشهادات الاستثمار لتمويل مشروع «قناة السويس» الجديدة؛ حيث إنها عقد تمويلٍ بين المشتركين والدولة، ولا تُعَدُّ بحالٍ من الأحوال قرضًا؛ موضحة أن عقود التمويل الاستثمارية بين البنوك أو الهيئات أو الجمعيات العامة من جهة والأفراد أو المؤسسات والشركات مِن جهةٍ أخرى، هى فى الحقيقة عقودٌ جديدةٌ تحقق مصالح أطرافها، والذى عليه الفتوى أنه يجوز إحداثُ عقودٍ جديدةٍ مِن غير المُسَمَّاة فى الفقه الموروث ما دامت خاليةً مِن الغرر والضرر، محققةً لمصالح أطرافها، كما رجحه المحققون من العلماء.
وأضافت «دار الإفتاء» فى بيان لها، أنه يجب أن نلفت نظر الناس أن الاعتراض على هذا العقد بأن فيه غررًا أو ضررًا أو ربًا ليس بصحيح؛ لأن الواقع المَعِيش قد تَغَيَّر بمجموعةٍ مِن العلوم الضابطة؛ كدراسات الجـدوى وبحوث العمليات والإحصاء والمحاسبة، التى يغلب على الظن دقتها والعمل على الابتعاد عن الغرر والضرر.
وأكدت الدارُ أن الشخصيةَ الاعتباريةَ المتمثلةَ فى الدولة والهيئات والجمعيات العامة، لها مِن الأحكام ما يختلف عن أحكام الشخصية الطَّبَعِيَّة؛ حيث اعتبر الفقهاء أربع جهاتٍ لِتَغَيُّرِ الأحكام مِن بينها تغير الأحكام على قَدْرِ طبيعة الأشخاص؛ فأَقَرُّوا -على سبيل المثال- عدمَ استحقاق زكاة على مال الوقف والمسجد وبيت المال، وجوازَ استقراض الوقف بالربح عند الحاجة إلى ذلك.
وأوضحت «دارُ الإفتاء» أن الهدفَ من إصدار هذه الشهادات، كما هو مقرر هو دعم الوعى الادخارى لدى جمهور المتعاملين، وتمويل خطة التنمية فى الدولة، وتقوية الاقتصاد المصرى فى منظومة تنهض بالمجتمع وتعزز أسباب التكافل والتعاون فيه، مع الحفاظ على هوية وأمن الوطن ضد أى مخاطر مستقبلية. وتابعت «عليه فإن هذه الشهادات عقودُ تمويلٍ جديدةٌ خاليةٌ مِن الغرر والضرر والربا تُحَقِّقُ مصالحَ أطرافها، ولذا فهى معاملاتٌ جائزةٌ ولا شيء فيها، ولا مانع مِن الاستثمار فيها شرعًا».
وأكد وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة، أن قيامَ أحدِ الصناديق التابعة للعاملين بالأزهر الشريف، باتخاذ قرارا بشراء شهادات استثمار فى مشروع «قناة السويس»، بمبلغ 250 مليون جنيه، ثم قيامَ أحدِ الصناديق التابعة للعاملين بالأوقاف باتخاذ قرارا بشراء شهادات أخرى فى المشروع بمبلغ 400 مليون جنيه، إنما هو بيانٌ وفتوى علمية وتطبيقية لمشروعيتها باعتبار ذلك مشروعًا قوميًا يعود نفعه على الوطن كله.
ومن عجبٍ أن يأتى الردُ أيضًا على دعاوى تحريم شهادات استثمار مشروع «قناة السويس» التى أطلقتها «الدعوة السلفية» و«الجبهة السلفية» و«الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» من قِبل داعيةٍ سلفى هو الدكتور أسامة القوصى، والذى انتقد التصريحات المنسوبة لبعض الإسلاميين والتى تُحرِم شراءَ شهاداتِ الاستثمار فى المشروع، حيث سخر «القوصى» من هذا الحديث قائلًا: «لو كان الأمر فى عهد جماعة الإخوان كانوا قالوا إنها مصاريف إدارية أما الآن يقولون ربا»، مؤكدًا أن الحديث عن تحريم شهادات استثمار لا يرتقى بأن يكون فتوى، واصفًا هذا الحديث بأنه تجارةٌ بالدين، مضيفًا: «هؤلاء سَيُحَرِمُون الهواء».
ودعا «القوصى» جموعَ المصريين إلى شراءِ شهادات استثمار مشروع «قناة السويس»، قائلًا: «واجبٌ على المصريين رد الجميل لمصر والمساهمة فى بناء البلاد والمساهمة فى إعادة إعمارها».
ونستكمل أحداث موقعة «قناة السويس» الجديدة ورد كيد فتاوى المتأسلمين الأسبوع المقبل بإذن الله.