كنا صديقين في الصغر؛ قبل أن يتخذ كلا منهما طريقه؛ طيبة قلبه وتلقائيته جعلت منه شخصا محبوبا للجميع؛ وربما ذلك كان سببا في أن تتسع دائرة معارفه التي لم تخلو من رفقاء السوء؛ أولئك الذين في أي لحظة يطعنونك في ظهرك وهم مبتسمون؛ أحمد لم يكن يعي أن للحياة قوانين يجب عليه الانصياع مرغما لها؛ ومن بينها ألا تفكر في مناطحة سمك القرش مهما زادت قوتك؛ هو فعل ذلك فكل القرش وقذف بما تبقى منه خلف القضبان عامين وبضعة أشهر؛ حكاية أحمد ليست المقصد من مقالي؛ لكن الحكاية تبدأ بعد خروجه حينما جالسته وبدأ يحكي عن تجربته في أحد السجون ومع الإقرار التام أنه ليس هناك ما يضاهي الحرية إلا أن ما سرده أزال مفاهيم كثيرة كانت في ذهني عن هذا العالم الذي ما عرفنا عنه شئ إلا من خلال الأفلام؛ كنت أظن أن الهمجية والقوة تسيطر وأن السجن مفرخة للناقمين لكنه بدد تلك الصورة تماما؛ وكأنه يحكي عن مكان آخر شعاره الانضباط؛ فأبو دومة كما كانوا ينادونه هناك خرج مسارعا وملبيا للآذان يعرف قيمة الوقت؛ يعرف ماله وما عليه؛ يحكي عن حسن المعاملة وعن نظافة السجن وكأنه أحد الفنادق؛ حتى أنني ظننته يبالغ فسمعت من غيره وغيره الذين يحكون عن التجربة بتأثر ويختصرون العبارات بكلمة هناك أدب؛ مواعيد لكل شئ؛ انضباط في كل شئ حتى هؤلاء الذين نراهم في الشوارع من بلطجية لا يمكن ردعهم؛ يردعهم الانضباط؛ يخاطبونهم بالعقل قبل اتخاذ إجراءات ضدهم؛ الرائع في الأمر أن هناك خلف القضبان حياة كاملة؛ هناك تلفاز وكرة قدم واستعارة كتب؛ هناك تهذيب وليس كما يدعي البعض تعذيب؛ حتى السجناء في القضايا السياسية يذاكرون ويحصلون على درجات علمية.. يقرأون ويتناقشون ويتعلمون ويكتسبون ود وصداقات؛ يراجعون أفكارهم ومعتقداتهم.. يخططون لمستقبلهم بعد الخروج؛ وحتى لا نكون مغالين هناك سلبيات لكن يتم تداركها؛ الأهم في الأمر أن مفهوم الشرطة للأمر تغير وتغيرت أساليب المعاملة والتعاطي في الأمور.
الرائع في الأمر أن الدولة لم تعد تلقي بهؤلاء السجناء في غياهب الحياة فتذل أقدامهم مرة أخرى؛ لكنها ومع جواب الإفراج تعطي المفرج عنه خطابا لمجلس المدينة التابع له لتوفير "كشك" أو أي مصدر دخل لتضع قدم هذا الشخص على الطريق الصحيح.
الحكايات كثيرة ربما تداولناها في مقالات قادمة لكن هنا وجب الشكر للدولة ولكل مسؤول وضابط وفرد أمن أعلى من قيمة الإنسانية وأحسن استخدام سلطته فجعل من ذلك فرصة استتابة لمن ضل يوما الطريق؛ ليت الرئيس ووزير الداخلية يسمحون لنا بزيارات ميدانية للسجون لننقل للناس أن مصر باتت اليوم تتعامل مع كل أبنائها بتقدير حتى وإن انحرف هذا الابن عن طريقه في لحظة ما؛ باب الرجعة مفتوح للجميع عدا من تلوثت أياديهم بالدماء ويصرون على غيهم، وأخيرا عنوان المقال ينقصه كلمة "زائرا"..