تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لم يفطن كثير ممن مارسوا معارضة الاستفتاء على مسودة الدستور الذي هيمن على صياغته جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون، سواء على مستوى النقد الفكري أو السلوك العملي بحشد المظاهرات ضده، إلى أن هذا الاستفتاء مضاد ليس فقط للقواعد الدستورية في تنظيم الاستفتاءات بل للمبادئ الديمقراطية التي قامت على أساسها الدولة الحديثة!
أولاً لم تجر العادة على الاستفتاء على دستور كامل بـ“,”نعم“,” أو “,”لا“,”. لأن الأعراف الدستورية تقضي بأن يتم الاستفتاء على موضوع أو موضوعين أو ثلاثة أو أربعة على الأكثر. وذلك على أساس أن تحديد عدد الموضوعات التي يستفتي عليها تسهل مهمة المواطنين في عملية الاختيار بـ“,”نعم“,” أو “,”لا“,”. أما حين يعرض دستور يتكون من أكثر من 200 مادة مختلفة وتتناول عشرات الموضوعات، فإن التصويت بـ“,”نعم“,” أو “,”لا“,” يفقد مصداقيته، لأن السؤال سيكون “,”نعم“,” على كل المواد بدون استثناء واحد، أو “,”لا“,” على كل المواد بدون استفتاء واحد!
لقد أتيح لي أن أشارك منذ أسابيع في ندوة عقدها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية عن خبرات مقارنة في مجال الاستفتاءات، شارك فيها خبيران من خبراء الأمم المتحدة المتخصصين, ومن خلال مداخلاتهما تبين لنا أنه من النادر للغاية أن يتم الاستفتاء على مواد دستور كامل, وأن ذلك حدث مرة واحدة فى إحدى جمهوريات أوروبا الشرقية سابقاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. وكان هناك إجماع على أن الاستفتاء على دستور كامل مسألة بالغة الصعوبة، وخصوصاً إذا كان الدستور مثل مشروع الدستور المصري المطروح الذي لا يصدر عن نظريات محددة لا في نظام الحكم، ولا في الاقتصاد، ولا في الاجتماع، ولا في الثقافة.
فليس من الواضح “,”هل نظام الحكم فيه رئاسي أم برلماني“,”؟ وهل هو يصدر عن النظرية الرأسمالية أو النظرية الاشتراكية في الاقتصاد؟ وهل يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بآليات محددة، وخصوصاً في مجال الضرائب؟ وهل هو ينطلق من نسق مغلق للقيم الأساسية تؤدي إلى التشدد الديني أو الأخلاقي أم ينطلق من نسق منفتح؟ وهل هو يؤيد حريات التفكير ولا يفرض قيوداً عليها أولاً؟!
في ظل هذا الغموض لا تصبح لكلمة “,”نعم“,” أو “,”لا“,” دلالة إلا فيما يتعلق بأن الذين يجيبون بـ“,”نعم“,” ستكون غالبيتهم من أنصار الإخوان المسلمين والسلفيين.
ويبقى السؤال “,”وماذا عن باقي فئات الشعب المصرى الذين يعارضون التوجهات الدينية لهذه التيارات المتشددة“,”؟
وإذا تركنا جانباً الآن هذه المناقشات الفقهية الدستورية ونظرنا لأوضاع البلاد في ظل محاولة هدم المؤسسة الأمنية من زاوية التشكيك فى نزاهة قيادات وضباط الشرطة أو تجريح ممارساتها، وكذلك – وهو الأخطر- محاولة هدم المؤسسة القضائية من أول التآمر على إقالة النائب العام بما في ذلك من عدوان على قانون السلطة القضائية، أو الحصار المستمر على المحكمة الدستورية العليا بواسطة جماهير الإخوان المسلمين ومنع قضائها من دخول مبنى المحكمة، مما اضطر القضاة إلى تعليق جلساتها إلى أجل غير مسمى.
هل يمكن إجراء استفتاء دستوري في سياق يتم فيه العدوان المتعمد على المحكمة الدستورية العليا؟!
هذه ليست مجرد سلوكيات مضادة للقواعد الدستورية ومعادية لدولة القانون، بل هي قبل ذلك كله سلوكيات غير حضارية من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي يظن قادتها وهماً أنهم يمكن أن يحكموا مصر بالحديد والنار!.