الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ظاهرة الشيخ عبدالله بدر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أن يخرج علينا، بين الحين والآخر، من يخوض في أمور الملّة، بغير إجازة ولا حيثية من علم، فتلك ظاهرة مصرية متواترة، وإن بدا جديد عبدالله بدر في هذا الصدد هو في التحاقه بركب الفضائيات، فيما سبقه طابور طويل من المدّعين، توزعت أعمالهم بين المشافهة والتدوين.
ويشار هنا أن عمدة مدرسة السخرية في مصر ومؤسسها الشيخ يوسف الشربيني قد حذّر من هؤلاء المدعين منذ منتصف القرن السابع عشر، حين تحدث في كتابه “,”هزّ القحوف في شرح قصيد أبي شادوف“,”, عن حكاية دعيّ من الشام، استطاع “,”بالفهلوة“,” أن يتغلب على كل علماء الدين المصريين، لدرجة جعلتهم يتنادون باقتراح صوْغ كلمة من مجموع حروف اختار فيها كل منهم حرفًا، فجاءت كلمة “,”خنْفشار“,” ليسألوه عن معناها، فكانت إجابته سريعة وجاهزة، حين ذكر لهم أن “,”الخنفشار“,” هو شيء يُعقد به اللبن, ولكي يؤكد ذلك، واتتْه القريحة ببيت من الشعر ابتدعه في التوّ، ونسبه إلى شاعر مجهول يقول فيه: “,”لقد عقدت محبتكم بقلبي كما عقد الحليبَ الخنفشارُ“,”!. والأمثلة حول تواجد هؤلاء المدعين لدينا لا تحصى، فبخلاف ما يقدمه عبدالله بدر عبر قناة الحافظ، تزدحم كتابات السلفي المصري المعاصر سيد العفاني بالتشهير والتعريض والسب والقذف والطعن.. فسعد زغلول ماسوني، وطه حسين عميد التغريبيين، وأحمد حسن الزيات منافق، أما جمال عبدالناصر، فانتهك أعراض النساء، وأرهب الشرفاء، وأغرق بلاده في الديون، وتجرع كؤوس الذل من اليهود والروس بهزيمة 1967، التي لقيها جيش فريد الأطرش وعبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وتحية كاريوكا “,”كثّر الله سوادهم“,”.
ولم يسلم من سجاله حتى الأفغاني ومحمد عبده.. فالأفغاني كان يريد إعادة الدور الذي لعبه “,”الإسماعيلية“,” من أصحاب الدعوات الباطنية التي تتستر وراء التشيّع، بينما اتهم عبده بالشذوذ لردّه بعض الأحاديث, ودعوته الي التأليف والتقريب بين الأديان واعتماده على الدليل العقلي في فهم الإسلام، فيما تطال قائمة اتهامه أسماء أخرى (زكي مبارك، محمود أبورية، أحمد زكي باشا، توفيق الحكيم، محمد فريد وجدي، صبحي منصور، مصطفى محمود، حسين أحمد أمين..)، ممن رآهم طعنوا في السنة.
اتساقًا، على أية حال، مع قيام عبدالله بدر بسب وقذف بعض الفنانات، يجوز القول إن المرأة تشكل، بعامة، رهانًا لافتًا في خطاب هؤلاء المدّعين، أوقعته في تبني أخلاقية متشددة، وضعت ضوابطها وقواعدها ومفرداتها على هذا الكائن، كما حددت نمط العلاقة معها، والخطط العريضة والحيز المسموح حول ما يتعلق بسلوكها وعملها وملبسها ونهج تكلمها وتعبيرها الجسدي وأمورها الجنسية، بدءًا من قوى التحريم التي تنقل جسدها وسلوكها بقيود العيب ومشاعر الإثم, وانتهاء إلى الأعضاء التي لا يجوز ظهورها منه بما قد يكشف عن عوْراته، وهو ما يشي بمقاومة هذا الخطاب في أن يعترف بإمكانات المرأة، سوى الخيانة وفضل النكاح والولادة، ويفسر عدم خلوّ أي نص لهؤلاء المدّعين من آراء حول المرأة والجنس والنقاب.
والأمر حول المرأة في هذا الخطاب يتعلق بكل ما يتصل بها، بدءًا من طريقة السلوك “,”حياء، طاعة، لا سفر إلا بولي، عدم جواز السلام أو المصافحة باليد على غير المحرم، انتظار الزوج الغائب ويحبذ ألا تتزوج حتى يُعلم موته، عدم جواز زيارة الكافرات من النصارى أو غيرهن، تحريم خروج المرأة مع الرجال الأجانب وما يتبع ذلك من اختلاط وتبرّج وسفور، عدم جواز السكنى مع عائلات غير مسلمة لأن في ذلك “,”تعرّض للفتنة“,” بأخلاق الكفرة ونسائهم، إرضاع الكبير، إلزام المرأة بالسير على حافة الطريق، تحريم خروج المرأة متعطرة....“,”, أو بالعمل “,”تحريم عملها واستقرارها في البيت، حظر مشاركتها للرجل في ميدان عمله، منعها من العمل في مجال القضاء، فساد عملها كمأذون.....“,”، أو بالملبس “,”ابتداع النقاب للمرأة واعتباره لباسًا شرعيًا يجب تعميمه، تحريم ثوب الشهوة ومنه الألوان الزاهية، إخفاء يدها بالقفاز لأن إظهارها قد يثير الشهوة والإعجاب.....“,”، أو بنهج التكلم “,”عدم التطريز الصوتي، فضل الكلام، الاستشهاد بالنصوص الدينية، الابتعاد عن الغيبة....“,”، أو بالتعبير الجسدي “,”أوضاع سليمة، السير وراء المحرم لا بحذائه، غضّ الطرف، حركة مستقيمة، كراهة ترقيق المرأة لحاجبيها، الكف عن استخدام اليد اليسرى، فتح العين اليسرى فقط إذا خافت من حفرة في الطريق لأن فتح اليمني حرام.....“,”، أو الحياة الجنسية “,”الاستجابة الكاملة للزوج، كثرة الإنجاب، حظر الإجهاض، عدم استخدام موانع الحمل، إجازة الزواج من الرضيعة ومفاخذة الصغيرة، وإن بدا دعاة السلفية رحماء، فلم يجيزوا الدخول بتلك الزيجات إلا بعد أن تتحمل الطفلة الوطء..“,”.
واللافت أن هذه القائمة من الأوامر والنواهي، تتبدى تحت ستار بطريركي يزعم الحفاظ على المرأة المسلمة، وهو ما يوضحه، على سبيل المثال، السلفي محمد حسّان، حين يحذر هذه المرأة من “,”المؤامرات التي تحاك لها في الليل والنهار، للزج بها في المستنقع الآسن.. مستنقع الرذيلة والعار.. بإغرائها دومًا.. وبكل السبل.. لإخراجها من دائرة تعاليم دينها الذي جاء ليضمن لها الكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة“,”.
يرافق هذا التشدد، قدر جليّ من العنف الرمزي الذي تخلل لغة هذا الخطاب، شفهيًا كان أو مدوّنًا، والبادي في عدوانية لفظية تتمظهر من تعابير قادمة تجاه الظواهر والأشخاص، وهي تعابير تخون احترام العقل والدين والأخلاق، وتكتنز بالإسفاف والبذاءة والسوقية والتفحّش، في ظروف يعاني فيها المشهد المصري من تزايد نماذج “,”الفشّار“,” و“,”الرغّاي“,” و“,”المهياص“,” و“,”الكلامنجي“,” و“,”البكاش“,”.
عبدالله بدر، إذن، ليس استثناء من جماع هذه النماذج، والمثل يقول: “,”ما كل من صفّ الأواني، قال أنا حلواني“,”!.