مدينة دهب بجنوب بسيناء، واحدة من أجمل المدن المصرية، مدينة واعدة
فى السياحة الداخلية حيث يرتادها الشباب والعائلات على مدار العام للاستمتاع
بهوائها البكر القادم من خلجان البحر الأحمر، وليست للسياحة الداخلية فقط ولكنها
مقصدا للسياحة الأجنبية أيضًا، خاصة الروس الباحثين عن الشمس والهواء، كما أنها
واحدة من أهم مناطق الغوص حيث تضم كنوزًا سياحية تحت الماء من الأسماك الملونة
والعجائب المدهشة.
أكتب هذه المقدمة التعريفية الساذجة لربما لا يعرفها الجهاز التنفيذى
لمدينة دهب المعروف إعلاميًا بـ«رجال المحليات» وما أدراك ما المحليات، فى ٢٩
يونيه ٢٠١٧ وافق العميد طارق لطفى رئيس مجلس المدينة، على إنشاء سلالم جانبية
للكافتيريات المُطلة على البحر للاستفادة من أسطحها وتطوير خدماتها، وفى ٢٦ يونيه
٢٠١٨ اعتمد على إبراهيم حمادة رئيس المدينة، قرارًا يقضى بإزالة تلك السلالم،
الفارق بين القرارين سنة واحدة والمُهدر من الأموال ملايين الجنيهات، وبالرغم من
ذلك ليس هذا هو مربط الفرس، فحقيقة الأزمة هى كيف يتعامل المسئولون مع المناطق ذات
الطبيعة الخاصة والسياحية منها بالذات، ما يصلح فى الإدارة بمنشية ناصر لا يصلح فى
المناطق التى ننتظر منها عملة صعبة، رأيت بعينى فى أكثر من مدينة أوروبية وآسيوية
كيف يتعامل الموظف المحلى مع كنوزه السياحية، تعامل مبدع متفاهم لا يعرف ختم النسر
ولا صيغة «إذا لم يحدث كذا سوف نضطر لاتخاذ الإجراءات القانونية»، هذه صيغة محكمة
وليست صيغة إدارة مدينة سياحية تراهن مصر الدولة على مدخلاتها، مدينة دهب عايشت
ذلك بعد ٢٥ يناير وتم استباحتها من كثيرين وعانت سنوات طوال من السرقة والاعتداء
والتخريب، مفروشات الغرف وأجهزة التكييف ومعدات الغوص تم نهبها من القرى السياحية،
حتى حمامات السباحة تم تجفيفها وتحويلها لمقالب للقمامة، حدث ذلك مع صديق أثق فى
مصداقيته يملك فندقًا هناك، فى تلك المرحلة تصدى أصحاب الفنادق بمفردهم للمعتدين،
ولسنوات عديدة عانى أصحاب المنشآت من تبعات قاسية لتراجع أعداد السائحين بعد ٢٠١١،
ورغم ذلك حافظ مستثمرو السياحة على مشروعاتهم فى المدينة، وقدموا إضافات متواصلة
تمثل لمسات رائعة أعطت مدينة دهب هويتها السياحية، ورغم كل ما مر به أصحاب
المشروعات السياحية فى دهب من أزمات، لم يكن هناك مجلس مدينة ليدافع، ولكنه يعود
اليوم بعد زوال الخطر ليتحكم. قرار وإنذار قطاع المسبط بمدينة دهب تفاعل ضده آلاف
من محبى المدينة بألوانها الزاهية وابتكاراتها المتواصلة، حتى أن مكانًا هناك «و.
ن» يحرص كل زوار المدينة على التصوير أمام واجهته المبتكرة، يهدده قرار الأستاذ
حمادة رئيس مجلس المدينة. الحالة التى نرصدها عن مدينة دهب ليست فردية لنقول إن
بقية المواقع السياحية فى مصر من الإسكندرية إلى أسوان قد تجاوزت مشاكلها، ولكن
بكل أسف فى كل موقع سياحى ثغرة ومصيبة، ليس أقلها انعدام الراحة والأمان وليس
أكبرها الابتزاز والفهلوة من السكان المحليين، لا أمل فى سياحة مصرية إلا برؤية
واضحة وجدية، وحوار وتفاهم وإبداع، فالسياحة فى دخلها العام تفوق دخل قناة السويس،
فهل من المعقول ونحن نستعد لافتتاح أكبر متحف على مستوى العالم أن تكون رؤيتنا
للسياحة والضيوف الزائرين بمثل ذلك التخبط لنهدر الحقوق المالية للبلد وحقوق
العاملين فى قطاع السياحة؟ بل ونهدر صورة مصر العامة على الخارطة العالمية.
اتخذت من قرار مجلس مدينة دهب نموذجًا للتخبط، ومن المؤكد أن هذا النموذج يتكرر فى أكثر من صيغة فى أكثر من موقع، ويكون الحصاد هو الفشل، فالسياحة ليست مجرد أشخاص يتنزهون على شاطئ أو يتأملون فى جدار معبد فرعونى، السياحة هى ثقافة وحوار دبلوماسى رفيع، واقتصاد ثرى ينقل البلدان من تصنيف إلى آخر، لذلك لا يمكن التعامل معها بعقلية.. «إذا لم تفعل كذا سنتخذ الإجراءات القانونية»، ليس تقليلًا من أهمية القانون، ولكن تعظيمًا لقيمة الحوار والفائدة المشتركة التى تعود بالنفع على المثلث المستفيد، «الدولة، العاملون بالسياحة، والسائحون».