أتتذكرون واقعة انتشال رمسيس لو لم تتذكروا فابحثوا عنها.. أو اقرأوا هذه الحدوتة وستذكركم بها.
استيقظت صباحا بعد أن هدأت نار «الفرن»، تقلبت يمينا ويسارا أبحث عن جدتي فلم أجدها، كانت قد قامت لتعد الفطور، ناديت عليها، فجاءت ومعها «الباشا»، و«الباشا» في هذا الموضع لا تعني ذلك الرجل الذي كان يجلس بجوار السلطان، ولا تلك الكلمة التي نطلقها الآن على أصحاب السلطة وسائقي «التوك توك»، إنما كانت عبارة عن كسرة من خبز مدهونة بجبن».
«2»
أخذت «الباشا» وقفزت من فوق «الفرن» وأنا أدغدغ أحرفه بأسناني، حتى إذا ما وصلت خلف «الدار»، وضعت طرف الجلباب أسفل ذقني، ثم مدت يدي اليسرى وأفرغت مثانتي، وأنا أتمايل يمينا ويسارا وكأنني أتفضل على الأرض اليابسة بهذا القليل من رذاذ الماء، عدت إلى جدتي.. فأدخلت يدها في صدرها وأخرجت «كيس النقود»، الذي كانت احتياطات أمنه، أشد من الاحتياطات الأمنية على البنك المركزي الآن، فكان عبارة عن كيس صغير من القماش أعلاه «مدكك بأستيك لباس»، يمتد طرفاه إما إلى عنقها أو إلى جيب الجلباب لدى نحرها، شدت «الأستيك» فتحته، وأخرجت لي «قرش صاغ» وقالت: «خد عشان تروح الكتاب زي ما اتفقنا إمبارح».
«3»
أخذت «القرش صاغ» وجريت إلى «البركة» أسفل «الصنبور الوحيد في الدار»، والذي كانت تصله المياه عن طريق «ماسورة» طويلة تسير على الجدران كـ«ثعبان» يتلوى إذا ما اعترض تمدده بروز من الطوب اللبن، كانت تلك «البركة» بمثابة «حوض الوجه، وكان الصرف لها ممتد إلى حيث يقف الماء، كنا اكتفينا بهذا الصنبور.. وكان حدثا عظيما آنذاك حتى أن بعض الأهالي اتهمونا بأن حصتهم من «مياه الطلمبة» ستقل، وكانت هناك أكثر من محاولة للي عنق الصنبور وكسره، إلا أن صندوق خشبيا صنعه والدي لهذا الرأس جعله في مأمن»، كما حافظنا على ثغره بخرطوم محكم عليه بسلك تم ربطه بطريقة لولبية غير مفهومة لا يمكن لأي أنشتاين كان حلها.. لكننا وأمام خشية الأهل على حصتهم، وحتى لا يشعل دخيلا أزمة بيننا.. على شئ لا نملكه نحن ولا هم بل تملكه السماء.. وتملك أن توقفه كما أجرته.. قررنا أن يكون للمرحاض «صفيحة»، وكانت المشكلة التي تشغلنا هي المسافة بين الصنبور والمرحاض، وخاصة إذا ما ذهب زائر إلى «المرحاض» ووجد «الصفيحة فارغة»، لكننا مع الصبر والأغاني الحماسية وبفضل التوجيه المعنوي «لأسيادنا» تغلبنا على تلك المحن، حتى في أيام المطر، ومن المعجزات أنه كان لي جدة «كفيفة» كانت تقطع تلك المسافة في كل صلاة دون ملل، وفي كل مرة لم يكن في « الصفيحة ماء» ذهابا، لكنها لم تيأس لعشر سنوات أو كما قال.
استيقظت صباحا بعد أن هدأت نار «الفرن»، تقلبت يمينا ويسارا أبحث عن جدتي فلم أجدها، كانت قد قامت لتعد الفطور، ناديت عليها، فجاءت ومعها «الباشا»، و«الباشا» في هذا الموضع لا تعني ذلك الرجل الذي كان يجلس بجوار السلطان، ولا تلك الكلمة التي نطلقها الآن على أصحاب السلطة وسائقي «التوك توك»، إنما كانت عبارة عن كسرة من خبز مدهونة بجبن».
«2»
أخذت «الباشا» وقفزت من فوق «الفرن» وأنا أدغدغ أحرفه بأسناني، حتى إذا ما وصلت خلف «الدار»، وضعت طرف الجلباب أسفل ذقني، ثم مدت يدي اليسرى وأفرغت مثانتي، وأنا أتمايل يمينا ويسارا وكأنني أتفضل على الأرض اليابسة بهذا القليل من رذاذ الماء، عدت إلى جدتي.. فأدخلت يدها في صدرها وأخرجت «كيس النقود»، الذي كانت احتياطات أمنه، أشد من الاحتياطات الأمنية على البنك المركزي الآن، فكان عبارة عن كيس صغير من القماش أعلاه «مدكك بأستيك لباس»، يمتد طرفاه إما إلى عنقها أو إلى جيب الجلباب لدى نحرها، شدت «الأستيك» فتحته، وأخرجت لي «قرش صاغ» وقالت: «خد عشان تروح الكتاب زي ما اتفقنا إمبارح».
«3»
أخذت «القرش صاغ» وجريت إلى «البركة» أسفل «الصنبور الوحيد في الدار»، والذي كانت تصله المياه عن طريق «ماسورة» طويلة تسير على الجدران كـ«ثعبان» يتلوى إذا ما اعترض تمدده بروز من الطوب اللبن، كانت تلك «البركة» بمثابة «حوض الوجه، وكان الصرف لها ممتد إلى حيث يقف الماء، كنا اكتفينا بهذا الصنبور.. وكان حدثا عظيما آنذاك حتى أن بعض الأهالي اتهمونا بأن حصتهم من «مياه الطلمبة» ستقل، وكانت هناك أكثر من محاولة للي عنق الصنبور وكسره، إلا أن صندوق خشبيا صنعه والدي لهذا الرأس جعله في مأمن»، كما حافظنا على ثغره بخرطوم محكم عليه بسلك تم ربطه بطريقة لولبية غير مفهومة لا يمكن لأي أنشتاين كان حلها.. لكننا وأمام خشية الأهل على حصتهم، وحتى لا يشعل دخيلا أزمة بيننا.. على شئ لا نملكه نحن ولا هم بل تملكه السماء.. وتملك أن توقفه كما أجرته.. قررنا أن يكون للمرحاض «صفيحة»، وكانت المشكلة التي تشغلنا هي المسافة بين الصنبور والمرحاض، وخاصة إذا ما ذهب زائر إلى «المرحاض» ووجد «الصفيحة فارغة»، لكننا مع الصبر والأغاني الحماسية وبفضل التوجيه المعنوي «لأسيادنا» تغلبنا على تلك المحن، حتى في أيام المطر، ومن المعجزات أنه كان لي جدة «كفيفة» كانت تقطع تلك المسافة في كل صلاة دون ملل، وفي كل مرة لم يكن في « الصفيحة ماء» ذهابا، لكنها لم تيأس لعشر سنوات أو كما قال.
«4»
أعود بكم إلى «القرش صاغ» الذي أخذته من جدتي وذهبت به إلى «البركة» فقذفته فيها، لا.. لا تتعجلوا فلست مجنونا، لكني كنت أقذف «القرش صاغ»، كإيثار مني لـ«عروستي» التي ترقد تحت الماء، هناك التباس في الفهم.. حقا!، أنا أوضح لكم الأمر.
جارنا الذي يكبرني قليلا في السن، والذي تربينا سويا كان كما سمعت سليما معافا، إلا أن عين أصابته فمرض بالحمى وعلى إثرها أصيبت إحدى قدميه، فكان يستند إلى عصا أثناء لعبه معنا، وكان «كعفريت من الجن» في استخدامها، حتى أطلقنا عليه «لورد»، وكانا دائما يهزمني، وحينما شكوت إلى جدتي، قالت لي سأصنع لك «عروسة» تلعب بها ليست مع أحد سواك.. «كان هذا في زمن مضى قبل أن نصبح رجالا وتلعب بنا العرائس»، وبالفعل شمرت جدتي ذراعيها، وجاءت بـ«تراب محمة» وبدلو ماء من «البركة»، وأخذت تصنع «العروسة»، كانت ضخمة، حملتها جدتي وقالت لي علينا أن نتركها في الشمس عدة أيام، طيلة اليوم كنت أفكر في مصير هذه «العروسة»، كنت أخشى أن يأخذها أحد مني، أو أن يحطمنها «عيال الحتة التانية»، فقررت أن أحتفظ بها في مكان آمين، ولم يكن أمامي سوى «البركة» أو «الفرن».. وحقا خشيت عليها من النار.
«5»
انتظرت حتى بدل اليوم إزاره الأبيض بوشاحه الأسود، وتسللت مع همهمات الحمام، وحملت «العروسة»، ونزلت بكلتا قدماي في «البركة»، ثم وضعت «شقافة من الطوب» وأرحت «العروسة» عليها، وأخفيت السر حتى عن جدتي، التي ظنت أن أحدا سرقها، وقالت لي لا تحزن سأصنع لك أخرى، لكني رفضت وقلت لها لا داعي، ومن هذه اللحظة، كنت أخذ كل «قرش» وألقي به بجوار العروسة، ولا أدري هل كنت أدخر معها، أم كان لدي إحساس بالذنب فكان ذلك من قبيل التعويض، لشهور وسنوات ظللت على هذا الحال، حتى إذا ما فتح الله علينا، وقررنا عمل تجديدات في «الدار»، ونقل الحنفية، وردم «البركة»، وقف الجميع مهللين وتقدمت لأنزح المياه بـ«الصفيحة» وأنا أتفادى الاصطدام بالعروسة، كما كنت أخشى على ثروتي التي جمعتها لسنوات في «البركة»، وكلما قل منسوب المياه زادت دقات قلبي، وأسرعت.. وأسرعت.. حتى إذا ما تكشف وجه «العروسة» وكان الماء والسنون قد أكلا من ملامحها الكثير، لكن أبقى على قوامها سليم «القليل من الجبس الذي أضافته جدتي» لخلطة الطين.
«6»
هللت «ها هي.. عروستي.. عروستي يا أبي.. كانت جدتي رحمة الله عليها صنعتها لي.. كنت أخفيها هنا.. حتى أن جدتي ماتت ولم أخبرها بالسر.. ترحم الجميع على جدتي.. وغارت عين أبي بالدموع.. ثم مد أحد أقاربنا يده بـ«خشبة» وأخذ يدفع «العروسة» من جنبها لـخارج «البركة».. دمعت عينايا وأنا أشاهد منظر استخراج «رمسيس» من المياه الجوفية بالمطرية.. اختلطت دموعي على عروستي بدموعي على هذا الذي كان يوما ما ملكا لمصر.. لكني ساقني الشغف لأن أتابع الأمر.. فهناك لغز حتى الآن لم أكتشفه.
«7»
لما نزحنا كل المياه من «البركة» لم أجد نقودي.. الجميع كان يضحك.. وأنا أصرخ.. «أين نقودي.. أين القروش.. من أخذها» لم أكف لحظتها عن الصياح إلا حين قال أحدهم اسأل «العروسة»، فإذا كنت أنا بهذه الحالة وكل ما كنت أملكه «صنبور وصفيحة وأنبول للمثانة»، وكان لي ثروة وضعتها بجانب «العروسة»، فكيف بجدة الغلام الذي وضع «رمسيس» في هذه «البركة»؟.. للحديث بقية
أعود بكم إلى «القرش صاغ» الذي أخذته من جدتي وذهبت به إلى «البركة» فقذفته فيها، لا.. لا تتعجلوا فلست مجنونا، لكني كنت أقذف «القرش صاغ»، كإيثار مني لـ«عروستي» التي ترقد تحت الماء، هناك التباس في الفهم.. حقا!، أنا أوضح لكم الأمر.
جارنا الذي يكبرني قليلا في السن، والذي تربينا سويا كان كما سمعت سليما معافا، إلا أن عين أصابته فمرض بالحمى وعلى إثرها أصيبت إحدى قدميه، فكان يستند إلى عصا أثناء لعبه معنا، وكان «كعفريت من الجن» في استخدامها، حتى أطلقنا عليه «لورد»، وكانا دائما يهزمني، وحينما شكوت إلى جدتي، قالت لي سأصنع لك «عروسة» تلعب بها ليست مع أحد سواك.. «كان هذا في زمن مضى قبل أن نصبح رجالا وتلعب بنا العرائس»، وبالفعل شمرت جدتي ذراعيها، وجاءت بـ«تراب محمة» وبدلو ماء من «البركة»، وأخذت تصنع «العروسة»، كانت ضخمة، حملتها جدتي وقالت لي علينا أن نتركها في الشمس عدة أيام، طيلة اليوم كنت أفكر في مصير هذه «العروسة»، كنت أخشى أن يأخذها أحد مني، أو أن يحطمنها «عيال الحتة التانية»، فقررت أن أحتفظ بها في مكان آمين، ولم يكن أمامي سوى «البركة» أو «الفرن».. وحقا خشيت عليها من النار.
«5»
انتظرت حتى بدل اليوم إزاره الأبيض بوشاحه الأسود، وتسللت مع همهمات الحمام، وحملت «العروسة»، ونزلت بكلتا قدماي في «البركة»، ثم وضعت «شقافة من الطوب» وأرحت «العروسة» عليها، وأخفيت السر حتى عن جدتي، التي ظنت أن أحدا سرقها، وقالت لي لا تحزن سأصنع لك أخرى، لكني رفضت وقلت لها لا داعي، ومن هذه اللحظة، كنت أخذ كل «قرش» وألقي به بجوار العروسة، ولا أدري هل كنت أدخر معها، أم كان لدي إحساس بالذنب فكان ذلك من قبيل التعويض، لشهور وسنوات ظللت على هذا الحال، حتى إذا ما فتح الله علينا، وقررنا عمل تجديدات في «الدار»، ونقل الحنفية، وردم «البركة»، وقف الجميع مهللين وتقدمت لأنزح المياه بـ«الصفيحة» وأنا أتفادى الاصطدام بالعروسة، كما كنت أخشى على ثروتي التي جمعتها لسنوات في «البركة»، وكلما قل منسوب المياه زادت دقات قلبي، وأسرعت.. وأسرعت.. حتى إذا ما تكشف وجه «العروسة» وكان الماء والسنون قد أكلا من ملامحها الكثير، لكن أبقى على قوامها سليم «القليل من الجبس الذي أضافته جدتي» لخلطة الطين.
«6»
هللت «ها هي.. عروستي.. عروستي يا أبي.. كانت جدتي رحمة الله عليها صنعتها لي.. كنت أخفيها هنا.. حتى أن جدتي ماتت ولم أخبرها بالسر.. ترحم الجميع على جدتي.. وغارت عين أبي بالدموع.. ثم مد أحد أقاربنا يده بـ«خشبة» وأخذ يدفع «العروسة» من جنبها لـخارج «البركة».. دمعت عينايا وأنا أشاهد منظر استخراج «رمسيس» من المياه الجوفية بالمطرية.. اختلطت دموعي على عروستي بدموعي على هذا الذي كان يوما ما ملكا لمصر.. لكني ساقني الشغف لأن أتابع الأمر.. فهناك لغز حتى الآن لم أكتشفه.
«7»
لما نزحنا كل المياه من «البركة» لم أجد نقودي.. الجميع كان يضحك.. وأنا أصرخ.. «أين نقودي.. أين القروش.. من أخذها» لم أكف لحظتها عن الصياح إلا حين قال أحدهم اسأل «العروسة»، فإذا كنت أنا بهذه الحالة وكل ما كنت أملكه «صنبور وصفيحة وأنبول للمثانة»، وكان لي ثروة وضعتها بجانب «العروسة»، فكيف بجدة الغلام الذي وضع «رمسيس» في هذه «البركة»؟.. للحديث بقية