الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حواديت عيال كبرت "5".. عيدان الكافور ورسالة حبيبتي وعم محمد!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا تزيلون عنا كل غمامة ظل؟ لمن ستمنحون الهواء إذا؟ أو تدرون ماذا كان منقوشا على عيدان الكافور العتيق؟ كان قلبي الصغير الذي أودعته هناك منذ 20 عاما وثبته بسهم كويبيد، ووضعت في المقابل له قلب حبيبتي.. كنت قد لجأت لذلك بعدما عجزت أن ألبي طلبها بـ"ـدبلة".. فقد كان ثمنها باهظا آنذاك.. ذهبت لأبيها فوضع يده في جيب جلبابي فوجد صورتها.. فربت على كتفي وقال لا تكفي.. فمددت له يدي بقلبي، فرده.. وقال لي لا يزن.. حينها بكيت وجريت نحو عيدان الكافور على شاطئ النيل ووضعت قلبي هناك.. كتبت لها رسالة لتأتي وتقرأها.. كنت على يقين أنها ستمر من هناك يوما ما وتوقع لي بعلم الوصول.. كان ذلك الكافور مزارا أسبوعيا لي ولغيري فكلنا كنا كتبنا رسائلنا.. ونأت لنرى الرد.. ومع أن ردا واحدا لم يأت لأحد فينا إلا أننا لم نمل الأمل.. كان العنوان المشترك بيننا لعلها "تأت وتكتب"، لم تكن منطقة عيدان الكافور محط العشاق الحيارى وحسب بل كان عم محمد يخرج من أرضه ساعات القيظ وينعس في هذا "التكييف الرباني"، بينما كانت زوجته "تتحجج بغسل "المواعين" ليداعب الماء أرجلها.. وترى في عيون الشباب الرغبة التي جفت في عين عم محمد، لم يفكر مسئول الري في ولا في غيري، لم يرى بنظارته المكتوب على عيدان الكافور، وإلا لكن أرسل إلينا أن نأخذ قلوبنا قبل أن يقطعها.. أو نحمل رسائلنا إلى عنوان آخر، أو نكتب لافنة نشير فيها إلى الحبيبة أننا انتقلنا بقرار من مسئول إلى مكان آخر، لو كان هذا المسئول يعي ويقرأ لأيقظ عم محمد واستشاره في الأمر وأمهله فرصة ليبحث له عن نومة أخرى.. لكنه قبض وقطع ووزن، فبات النيل على طوله كرجل خلع سراوله وسترته ومشي يهزي والناس تعض شفاهها عليه حسرة.. إلى متى سيكون آخر ما تفكرون فيه الإنسان؟ إلى متى سيظل يمزق المسئول صفحات التاريخ دون أن يردعه أحد؟.. حتى حججه الواهية بزرع صخر على جانبي النيل لم تفلح، فالصخر لا يُنبت ظلا.. يكرهه النيل كعدو.. تلطمه المياه على وجهه وتجري.. إذا كان الظرف لا يتيح أن تمنحونا الحياة فلما تقتلون فينا حتى الذكرى!.. تستأصلون الحكايات من أذهاننا!.. تسحقون كل الشهود والدلائل التي تؤكد أننا كنا هنا يوما!.. ترغموننا على التوقيع على إقرارات الوفاة وقلوبنا مازالت تنبض!.
لماذ زرعنا عيدان الكافور عقود من الزمن ثم قطعناها؟ لماذا لم تفكر أن تأت إليها حبيبتي يوما؟ لماذا لم نجد مسئولا يتعامل بإنسانية لأنه من المفترض بشر؟..أنا حزين على قلبي الذي صلبته أعواما على عود كافور ظننت أن عمره أطول من عمري.. لكني حزين أكثر على عم محمد وعلى زوجته لأننا عن عمد أخذنا من على وجوههما آخر ابتسامة.
الغريب في الأمر أنني بعد عدة أيام وبعد أن أنهيت عملي بالجريدة، جلست على مقهى وطلبت نارجيلة، وبينما العامل يضع لي "الجمرة" وجدت عليها قطعة من قلبي وحرفا من خطابي إلى حبيبتي، لم تسعفني يدي لالتقطهما، ولم يكن الماء كافيا لأطفئ ما أشعله الزمن عشرين عاما.. وللحديث بقية.